السؤال
هل اختلاف طريقة جلوس المصلين الجالسين في المسجد في وضع الركوع، والسجود، والرفع من الركوع، وبين السجدتين، اختلاف مذاهب؟ وما الصواب؟ وهل يوجد خلاف بين الفقهاء في وضع الرفع من الركوع، أو الجلوس بين السجدتين للذي يصلى جالسًا؟ وهل يجب على المصلِّي جالسًا عند الرفع من الركوع أن يعتدل ظهره، سواء كان المصلي يستطيع أن يقوم أثناء قراءة الفاتحة، أم لا؟ وكيف يكون الرفع من الركوع وهو جالس: هل يعتدل الظهر، أم يكون منخفضًا قليلًا؟ وهل يعتدل الظهر إذا رفع من السجدة الأولى، أم يميل؟ وهل الميل يكون أخفض من الركوع، وأعلى من السجود؟ وهل يجب ترتيب المسافة بين الظهر بأن يكون الوضع الأول معتدلًا، والوضع الأخير عند أقصى ميل له، لأربعة أوضاع: أقلها في الميل للرفع من الركوع، يليه ميل الركوع، يليه ميل الرفع من السجود، يليه ميل السجود؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما الصلاة على الكرسي، فقد بينا حكمها وتفاصيل ما يتعلق بها في الفتوى: 149001.
وأما المصلي جالسًا على الأرض؛ فالمسنون له أن يتربع في محل القيام، ويكون اعتداله بعد الركوع كحاله قبل الركوع، ويكون ركوعه بمحاذاة وجهه ما وراء ركبته من الأرض، ويسجد على الأرض، إن استطاع، وإلا قرب وجهه من الأرض قدر الطاقة، قال البهوتي: فإن لم يستطع المريض الْقِيَامَ (أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ) الْقِيَامُ (مَشَقَّةً شَدِيدَةً؛ لِضَرَرٍ مِنْ زِيَادَةِ مَرَضٍ، أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ، وَنَحْوِهِ) كَمَا لَوْ كَانَ الْقِيَامُ يُوهِنُهُ (حَيْثُ جَازَ تَرْكُ الْقِيَامِ فَـ) إنَّهُ يُصَلِّي (قَاعِدًا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ (مُتَرَبِّعًا نَدْبًا) كَمُتَنَفِّلٍ. انتهى. وقال الرحيباني: وقدر المجزئ (مِنْ قَاعِدٍ مُقَابَلَةُ وَجْهِهِ) بِانْحِنَائِهِ (مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ أَدْنَى)، أَيْ: أَقَلَّ (مُقَابَلَةٍ)؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَاعِدًا مُعْتَدِلًا، لَا يَنْظُرُ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِذَا انْحَنَى بِحَيْثُ يَرَى مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْهَا، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ الرُّكُوعِ. (وَتَتِمَّتُهَا) أَيْ: تَتِمَّةُ مُقَابَلَةِ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، (الْكَمَالُ) فِي رُكُوعِ قَاعِدٍ. وَقَالَ الْمَجْدُ: ضَابِطُ الْإِجْزَاءِ: الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ أَنْ يَكُونَ انْحِنَاؤُهُ إلَى الرُّكُوعِ الْمُعْتَدِلِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ الْمُعْتَدِلِ. انتهى.
فإذا عرفت حد الركوع المجزئ، فكل ما زاد عليه، فهو في معنى القيام، فمن قعد معتدلًا، فهو الأصل، ومن انحنى يسيرًا بحيث لا يصير إلى حد الراكع، فهو مجزئ له؛ سواء في القيام الأول، أم الثاني الذي هو بعد الرفع من الركوع.
وكذا يقال في الجلوس بين السجدتين، فحدّه أن يكون جالسًا معتدلًا، كما يجلس لو كان يصلي قائمًا، ولكنه في موضع القيام يتربع ندبًا، وفي موضع الجلوس بين السجدتين يفترش ندبًا، وكيفما جلس أجزأه، وبه تعلم أن كل ما لم يصِلْ إلى حد الركوع المبين آنفًا، فهو من القيام، والذي ينبغي أن يجلس في حال القيام بعد الرفع من الركوع كما كان جالسًا قبل الركوع.
ومن قدر على الصلاة قائمًا، لم يجز له أن يصلي قاعدًا.
ومن قدر على القيام والركوع، وكانت به علة تمنعه من الجلوس على الأرض، فله أن يجلس على كرسي، وإلا فالأصل أن يجلس على الأرض، ويسجد عليها، فإن عجز عن السجود، قرّب وجهه من الأرض ما أمكن.
والله أعلم.