السؤال
هل صلاة المرأة أمام الرجال ووجهها مكشوف صحيحة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على المرأة أن تستر جميع بدنها في الصلاة، ما عدا الوجه باتفاق، وفي الكفين روايتان عن أهل العلم.
قال ابن قدامة في المغني: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا كَشْفُ مَا عَدَا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، وَفِي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ؛ فَأَجْمَعَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَكْشُوفَةَ الْوَجْهِ ... انتهى.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيق سابغ، وتخمر رأسها، فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها، واختلفوا في ظهور قدميها. انتهى.
وإن صلت بحضرة أجانب، فعليها أن تستر عنهم وجهها كالمحرمة، فإنها مأمورة بالكشف عن وجهها حال الإحرام، إلا إذا كانت بحضرة الرجال الأجانب، فإنها تستره؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان الرُّكبان يمرُّون بنا ونحن مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- مُحرِماتٌ، فإذا حاذَوْا بنا سَدَلتْ إحدانا جلبابها مِن رأسِها على وجهها، فإذا جاوزُونا كشفناه. رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظ أبي داود، وبوب له بقوله: بَابٌ فِي الْمُحْرِمَةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا.
وقال البغوي في شرح السنة: أَمَّا الْمَرْأَةُ، فَحُرْمُهَا فِي وَجْهِهَا لَا يَجُوزُ لَهَا سَتْرُ وَجْهِهَا، وَيَجُوزُ لَهَا سَتْرُ رَأْسِهَا، فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى سَتْرِ الْوَجْهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ مَنْعِ أَبْصَارِ الْأَجَانِبِ، سَدَلَتْ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِهَا مُتَجَافِيًا عَنْ بَشْرَةِ الْوَجْهِ، ... وَمِمَّنْ قَالَ: تُسْدِلُ الثَّوْبَ، عَطَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. انتهى.
ألا ترى أنه هنا جعل منع أبصار الرجال الأجانب موجبا لستر وجهها حال الإحرام، فينبغي أن تكون في الصلاة كذلك، لأن الوجه عورة في باب النظر على الراجح من كلام أهل العلم، وهو الذي نفتي به.
ولكن إن لم تستر المرأة وجهها في الصلاة بحضرة الرجال الأجانب، فصلاتها صحيحة، لأن ستره هنا ليس لأجل الصلاة، وإنما هو لأمر خارج عنها، وهو منع أبصار الأجانب.
ولقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية النفس في تحقيق مسألة ما يجب على المرأة ستره في الصلاة، حيث قال في شرح العمدة: وجميعها عورة يجب عليها ستر بدنها في الصلاة إلا الوجه، وفي الكفين روايتان، وذلك لما روت عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال: حديث حسن. وعن أم سلمة -رضي الله عنهما- أنها قالت: "إذا تنكشف أقدامهن، قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه" رواه أحمد، والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن ابن عمر أن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- سألنه عن الذيل فقال: "اجعلنه شبرا" فقلن: إن شبرا لا يستر من عورة، فقال: "اجعلنه ذراعا" فكانت إحداهن إذا أرادت أن تتخذ ذراعا أرخت ذراعا، فجعلته ذيلا. رواه أحمد. وعن أم سلمة: أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أتصلي المرأة في درع وخمار، وليس عليها إزار؟ قال: "إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها" رواه أبو داود، والدار قطني، والمشهور أنه موقوف على أم سلمة؛ إلا أنه في حكم المرفوع؛ لأنها زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجوز أن يخفى عليها مثل هذا من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي مبتلاة بهذا الأمر، ولا يجوز أن تفتي بخلاف ما تعلم منه -صلى الله عليه وسلم-. وثبت بهذه الأحاديث أن قدميها ورأسها عورة يجب سترها في الصلاة، فسائر بدنها أولى. وأما الوجه فلا تستره في الصلاة إجماعا. وأما الكفان إلى الرسغين؛ ففيهما روايتان. ... إلى أن قال: ولقد كان القياس يقتضي أن يكون الوجه عورة لولا أن الحاجة داعية إلى كشفه في الصلاة بخلاف الكفين، ولذلك اختلفت عبارة أصحابنا هل يسمى عورة أو لا؟ فقال بعضهم: ليس بعورة، وقال بعضهم: هو عورة، وإنما رخص في كشفه في الصلاة للحاجة. والتحقيق أنه ليس بعورة في الصلاة وهو عورة في باب النظر إذ لم يجز النظر إليه... وأما صحة الصلاة مع كشفه فلا خلاف بين المسلمين، بل يكره للمرأة ستره في الصلاة، كما يكره للرجل حيث يمنع من إكمال السجود ومن تحقيق القراءة على ما يأتي - إن شاء الله- ذكرُه، اللهم إلا أن تكون بين رجال أجانب. وربما يذكر هذا - إن شاء الله تعالى - في غير هذا الموضع. انتهى منه باختصار
وراجع لمزيد من الفائدة الفتويين التاليتين: 21151، 4523.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني