السؤال
تأخرت في الزواج، ولست يائسة من قضاء الله، وعندما أدعو الله فأنا أرى من داخلي أن لله حكمة في عدم زواجي، وتوقفت عن الدعاء بالزواج، ولم أتوقف قنوطًا أو يأسًا، لكن كيف أدعو الله بالذرية مثلًا وأنا قد انقطع الطمث عني؟ وهل يجب أن ندعو ونحن غير متعلقين بأي شيء في الدنيا؟ وهل توجد علامات تدل على أن الله لا يريد هذا الأمر لنا، وأن نتوقف عن التفكير في هذا الأمر؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فها هنا أمور نحب بيانها لك لعله يزول عنك ببيانها ما لديك من إشكال:
أولًا: ليس على الإنسان حرج في أن يتعلق ببعض الأمور المباحة في الدنيا، وليس عليه حرج كذلك في أن يدعو الله بتحصيلها، بل هو مأمور بسؤال ربه حاجاته كلها، وهذا السؤال والالتجاء مما يحبه الله تعالى، ويثيب عليه.
ثانيًا: إذا كان الشيء الذي تعلق به الإنسان مستحيلًا عادة، فإنه لا يشرع الدعاء بحصوله، بل يكون الدعاء به من الاعتداء في الدعاء المنهي عنه، وذلك كأن تدعو من انقطع حيضها بحصول الولد، فهذا أمر مستحيل عادة، فلا يشرع الدعاء به، ولتنظر الفتوى رقم: 341338.
ثالثًا: إجابة الدعاء ليست لها صورة واحدة، فقد تكون إجابة الدعاء بصرف نظير ما دعا الشخص به من البلاء، وقد تكون بادخار مثوبة ذلك له يوم القيامة، فلا يتعين حصول ما دعا به الداعي ليكون دعاؤه مجابًا، ومن ثم؛ فعلى الشخص أن يدعو، ويفوض أمره لله تعالى، عالمًا أن الخير كله بيديه، وأنه سبحانه أرحم بعبده من الأم بولدها، ولتنظر الفتوى رقم: 379913.
رابعًا: لا ينبغي الاستعجال وترك الدعاء لتأخر الإجابة، بل على العبد أن يلحّ على الله تعالى، ويكثر من مسألته ما يريد ما دام ما يريده مما أباحه الله تعالى، فإذا تبين له أن دعاءه لم يستجب، فليعلم أن ذلك لحكمة قدّرها الله وقضاها، وأن ثواب دعائه لم يذهب سدى، وليرضَ بحكم الله، وليعلم أن ذلك هو الخير، والحكمة، والمصلحة.
خامسًا: من كمال التفويض لله أن يلزم الشخص جوامع الدعاء، كقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وكسؤال الله من كل خير خزائنه بيده، والتعوذ به من كل شر خزائنه بيده، ونحو ذلك من الدعوات الجوامع لخير الدنيا والآخرة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الجوامع من الدعاء، ويأمر بلزومها، فضلًا عما فيها من متابعة السنة، وكمال التفويض والاستسلام لحكم الله تعالى، ولتنظر الفتوى رقم: 70356، ورقم: 51531.
وبه تعلمين أن دعاءك وأنت متعلقة بأمر ما مما لا حرج فيه، وأن هذا الأمر إن كان مباحًا، وكان ممكنًا غير مستحيل، فدعاؤك به لا حرج فيه، ما لم يتبين لك قطعًا أنه لم يستجب؛ فحينئذ تستسلمين لحكم الله، وتفوضين أمرك إليه، وترضين بحكمه، عالمة أنه هو الخير، والمصلحة.
وأما عن علامات معينة ترشد إلى أن الله قد لا يريد هذا الأمر للعبد، فقد يوجد شيء من ذلك من رؤيا يراها العبد، أو عدم انشراح صدر، أو نحو ذلك.
وعلى كل؛ فعليه أن يدعو الله، ويستخيره فيما يهمّ به، ثم إن تيسر فتيسيره علامة الخير فيه، وتعسيره -إن تعسر- علامة أن الله لا يريده للعبد؛ وحينئذ يتعين الرضى، والتسليم.
والله أعلم.