السؤال
السلام عليكم،
اتفكر في أحوال الناس بين الغنى و الفقر. و أتساءل:كيف تكون الواجبات واحدة بيني و بين الغني؟ و حسابنا واحد. رغم سهولة حياته و رفاهيته و راحته مما يساعده و يعينه على الخير و يزيد من تفاؤله في الدنيا والاخره فقد عاش النعيم. وإذا كان الله يغني هذا لأن الغنى خير له و يفقر ذاك لأن الفقر خير له. أليس هو من خلقنا و وضع فينا تلك الصفات؟ أشعر بالظلم حين أرى نفسي امام الغني المرتاح المتنعم ولست افضل منه بأي شي ولا ينقصه شئ رغم إيماني و إخلاصي. وهو مسلم مثلي يقوم بنفس واجباتي و سنحاسب على ميزان واحد، فبماذا تفضل الله علي عن هذا الغني؟ والله هو العدل كما نعلم
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يملأ قلبك رضا به سبحانه، واعلم أن مثل هذه الخواطر إنما هي وحي من الشيطان، يعذب بها قلب ابن آدم، وهي ثمرة نكدة للضعف الإيماني، وفتور علاقة العبد مع الله سبحانه، فمثل هذه الخلجات الفاسدة هي إلى علاج إيماني أحوج، منها إلى محاججة ومجادلة وسَوق للبراهين والأدلة!
وإلا: فلمَ لا تأتيك خواطر الاعتراض على التفاضل بين العباد إذا رأيت من هو أفقر منك وأقل حالا؟! فتقول: بأي شيء فُضلت عليه؟ لكن ابن آدم كما قال عنه ربه: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ {إبراهيم:34}،.
ثم إن الأساس الذي بنيت عليه سؤالك باطل، فالمال ليس هو السبب الأوحد للسعادة وطيب العيش، فكم ممن وُسع له في المال لكن عيشه منغص بأسباب أخرى من تسلط أعداء، أو سوء زوجة، أو عقوق ولد غير ذلك، وكم من قليل ذات اليد لكنه معافى من مثل تلك المنغصات.
وعلى كل حال: فإن الجواب الأوحد الشافي في مثل هذه القضية المتعلقة بقضاء الله وقدره: هو التسليم والإذعان بأن قضاء الله سبحانه دائر بين العدل والفضل، وأنه سبحانه لا يظلم أحدا من خلقه مثقال ذرة، وأن الله جل وعلا حكيم، لا يقضي إلا ما له فيه أتم الحكمة، وله عليه أتم الحمد، لكن العباد لا يحيطون بحكمته جل وعلا فيما يخلق ويقدر، فإن القدر: سر الله الذي لم يحط به علما سواه، والله سبحانه لا يسأله أحد من الخلق عما فعل سبحانه، قال تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.
وبخصوص ما أثرته من شبهة كون الحساب واحدا بين الغني والفقير، بمعنى: أن المؤمن الغني يتمتع في الدنيا ويحوز الآخرة، بخلاف المؤمن الفقير، فالجواب عن ذلك:
أن الغنى غالبا ما يكون سببا لهلاك العبد وفساد دينه، ومن هنا كانت فتنة الغنى أشد من فتة الفقر، لقلة من يصبر عليها، فكما أن الفقير مبتلى بفتنة مرارة الفقر ومضاضته، فكذلك الغني مبتلى بفتنة الغنى التي تطغي وتلهي وتغوي.
وكذلك: فالغني مطالب بشكر ما لا يطالب بمثله الفقير، كما أن الفقير مطالب بصبر لا يطالب بمثله الغني، وإن كان الفقير مأمورا بالشكر، والغني مأمورا بالصبر أيضا.
ثم إن الغني يؤمر بعبادات وتكاليف لا يكلف بها الفقير، من الزكاة والحج والجهاد بالمال ونحو ذلك من العبادات المالية.
وهنا فائدة جليلة: هي أن ما يُعطاه المؤمن الغني في الدنيا، فهو جزء من ثوابه يتعجله في الدنيا، بينما الفقير المؤمن قد ادخر له ثوابه ذلك في الآخرة.
وفي الختام: فإن العبد لو تأمل فيما أغدق الله عليه من صنوف النعم التي لا تعد ولا تحصى، لما تجرأ أن يعترض على تفضيل غيره عليه طرفة عين. ولكن العبد إذا استقل نعم الله عليه وازدراها، فحين ذلك تفتح عليه أبواب السخط والاعتراض على القدر، والتي لا يجني منها سوى عذاب القلب وألمه.
وقد أشبعنا الكلام عن الحكمة من تفاوت الخلق في أرزاقهم، وذكرنا ما يعين المسلم على الرضا بما قسمه الله له، فراجع ذلك كله في الفتاوى أرقام: 105462، 341872، 334846، 17831.
والله أعلم.