السؤال
ما حكم الاشتراك في السَّحب على الجوائز التي تقدمها بعض المحلات التجارية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن الجوائز التي لها أصل في الشرع هي الجوائز المرصودة للتحريض على علم نافع أو عمل صالح أو نحو ذلك.
وأما الجوائز المرصودة من قبل المحلات التجارية ونحوها فإن الغرض منها حقيقة هو استقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن والعملاء، وأغلب هذه الجوائز يكون السبيل إلى استحقاقها هو إحدى صور ثلاث، ونحن نذكر كل صورة، ونبين حكمها بإذن الله.
الأولى: أن يشتري الشخص (كوبونا) بمبلغ ما في غير مقابل إلا أن يشارك في السحب على الجائزة المرصودة.
فهذا النوع محرم قطعاً؛ لأنه قمار، وهو من أكبر الكبائر التي حرمها الشارع الحكيم.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة: 90}.
والميسر (القمار): هو ما لا يخلو فيه أحد الطرفين من خسارة، وهنا الآلاف المؤلفة يخسرون من أجل أن يكسب واحد فقط، فهذا النوع لا شك في قطعية تحريمه.
الصورة الثانية: هي أن يشتري الشخص سلعة ما، ثم يعطى عليها (كوبونا) ليدخل سحبا على سيارة أو جائزة مرصودة لمن يشترك في هذا السحب.
وهذا النوع تنازعه شَبَهُه بالقمار وشبهه بالبيع الصحيح. ووجه شبهه بالقمار أن فيه ما يشبه صورة الميسر حيث يعتمد المشارك فيه على الحظ -البحت- فيحصل على مال طائل بدون مقابل مناسب.
أما وجه شَبَهِه بالبيع الصحيح فهو أنه لا يخلو فيه دافع الثمن من الحصول على مثمن عوضاً عن ثمنه الذي دفعه، وهذا عكس ما يحصل في القمار فهو ما لا يخلو فيه أحد طرفيه -أو أطرافه- من أن يكون غارماً أو غانماً.
والذي يظهر -والله أعلم- أن شبهه بالقمار أضعف من شبهه بالبيع الصحيح خصوصاً إذا لم يكن غرض المشتري هو مجرد الحصول على الكوبون ليشارك به في السحب، ومن المعلوم أن الفرع إذا تردد بين أصلين أشبه كلا منهما أُلْحِق بأشدهما به شبهاً.
ينضاف إلى هذا أن الأصل في عقود البيع الجواز؛ لقوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة: 275}.
فلا يخرج من هذا الأصل إلا ما قام الدليل على إخراجه. ومع هذا فقد حرم هذا النوع طائفة من أهل العلم المعاصرين، والذي يظهر -والله أعلم- أن العلل التي ركنوا إليها في التحريم لا تقوم بمثلها حجة.
ومنها:
أ - أن فيه صورة الميسر. وأنت خبير بأن ما فيه هو مجرد شَبَهٍ، وقد قابله ما هو أقوى منه، وهو شبهه بالبيع الصحيح.
ب - أن من الناس من يشتري السلع وليس الحامل له على الشراء حاجته إليها، بل قد يكون الحامل له حصوله على الكوبون حتى يُسمح له بالمشاركة في السحب.
ومن المعلوم أن هذا النوع من العلل عُلم من الشارع -بالاستقراء والتتبع- عدم الالتفات إليه، إلا إذا كان له أثر طاغ طغياناً واضحاً، أو علم البائع أنه هو الحامل للمشتري على الشراء فيمنع من بيعه له على وجه الخصوص، ولا يمنع من بيعه لعامة الناس.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك مسألة العنب، فلا شك أنه أصل لأكثر الخمور والخمر -أم الخبائث- ومع ذلك فقد أذن الشارع في زراعته وبيعه لكل أحد، إلا لمن علم البائع أنه سيعصره خمراً.
ج - أنه يؤدي إلى منافسة بين التجار فيسعى كل واحد منهم إلى الترويج لبضاعته، لا لجودة فيها، بل لأمر خارج فيسبب ذلك كساد محلات أخرى، وفي الحديث: لا ضرر ولا ضرار.
وأنت خبير بأن هذا غير كاف في التحريم، وليس داخلاً في المراد من الحديث، ولو دخل فيه لدخل فيه الترويج للسلعة بالإعلانات.
ولدخل فيه أيضاً المنع من أن يُفتح دكان بجوار آخر، وقد نص العلماء على عدم دخول هذا الأخير، لا نعلم خلافاً بينهم في ذلك.
ومع ذلك فإنه لتمام القول بجواز مثل هذه الصورة ينبغي أن تتوفر أمور:
1 - أن يقصد المشتري شراء ما به حاجة إليه، فإنه إن اشترى ما ليس له به حاجة، فقد غلب قصد الشراء من أجل السحب، ودخل في باب الحيل فيعامل بنقيض قصده.
2 - أن يشترى السلعة بمثل ثمنها في السوق من غير زيادة، فإن اشتراها بأزيد من ثمنها وهو يعلم، فقد ترجح قصده الشراء من هذا المحل بقصد الدخول في السحب.
ويلحق بهذا أن يشتري بضاعة رديئة بثمن الجيدة ليحصل على كوبون السحب.
3 - أن يشترى مباح العين والمنفعة، فإن قصد شراء محرم العين أو المنفعة بقصد الدخول في السحب حرم ذلك من وجهين، وإنما ذكرنا هذه الصورة؛ لأنه قد يقوم في نفس شخص أن يشتري محرم العين أو المنفعة ليحصل على كوبون السحب ثم يتلفه.
فإن اشترى الشخص ما به حاجة إليه، واشتراه بمثل ثمنه في السوق أو أقل، واشترى مباح العين والمنفعة، فالأظهر جواز ذلك لعدم المانع المقاوم.
ـ الصورة الثالثة: هي صورة مختلف فيها والأقرب أنها جائزة، وهي أن يشتري الشخص سلعة ما، وله فيها حاجة ويأخذ (كوبونا) أو(عدة كوبونات) ويحصل في مقابل ذلك على شيء معلوم ( دون سحب) ويكون ذلك لكل أحد يحصل على الكوبون، فالأقرب جواز ذلك خاصة إذا لم يتكلف الذهاب لها وكان له بها ( السلعة) حاجة مثل أن يقال: من يحصل على عدد محدد من كوبونات (البنزين) فله غسلة مجانية، أو له عدد معلوم من اللترات أو ما شابه ذلك.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني