الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تصديق الساحر هل هو كفر أكبر أم أصغر؟

السؤال

ما المقصود بالغيب الذي يعلمه الساحر؟ فأنا كنت أصدق أن الساحر يعرف ما جرى لك في الماضي، وليس المستقبل، وكنت أصدّق أنه يعرف من قام بسحرك، وهل لديك سحر، ومكان السحر، فهل بذلك أكون كافرة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن مجرد تصديق الساحر في إخباره بالسحر، أو مكانه، أو نحو ذلك، ليس بكفر أكبر، وإنما محل الكفر هو في اعتقاد أن غير الله سبحانه يعلم الغيب المطلق -سواء في ذلك الساحر أم غيره-، قال المناوي في فيض القدير: إن مصدق الكاهن إن اعتقد أنه يعلم الغيب كفر، وإن اعتقد أن الجن تلقي إليه ما سمعته من الملائكة، وأنه بإلهام، فصدقه من هذه الجهة، لا يكفر. اهـ.

وقال صالح آل الشيخ كما في إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل: قال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنا فصدقه؛ فقد كفر بما أنزل على محمد»، وهنا الكفر هل هو كفرٌ أكبر مخرج من الملة، أم كفرٌ أصغر دون كفر، أم يُتَوَقَّفْ فيه، فلا يُقَالُ كفرٌ أكبر، ولا كفرٌ أصغر؛ لعدم الدليل على ذلك؟ ثلاثة أقوال لأهل العلم:
* من أهل العلم من المعاصرين، وممن قبلهم، من قال: إنه كفرٌ أكبر؛ لظاهر قوله: «فقد كفر»، ويُفْتِي به عدد من مشايخنا هنا.

* ومن أهل العلم من يقول: هو كفرٌ دون كفر، وهذا أظهر من حيث الدليل لأمرين:

- الأمر الأول: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم - كما في رواية أحمد- قال: «من أتى كاهنًا، أو عرافًا فسأله عن شيء فَصَدَّقَهْ، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»، فرتَّبَ عدم قبول الصلاة على السؤال والتصديق معًا، ولو كان السائل الذي صَدَّقَ كافرًا، فإنه لا تقبل صلاة حتى يتوب، دون تحديدٍ لمدةٍ معلومة.

- الأمر الثاني: أنَّ الناس يُصَدِّقُونَ العراف والكاهن، لا على اعتبار أنهم يَدَّعُونَ علم الغيب، وأنهم ينفُذُونَ على علم الغيب بأنفسهم؛ ولكن يقولون: هذا -يعني ربما قالوا- هذا ممن اخْتَرَقَتْهُ الشياطين، فيكون لهم شبهة في ما يُصَدِّقُونَ به، وهذه الشبهة تمنع من أن يعتقدوا فيهم أنهم يعلمون علم الغيب مطلقًا.

وهذا يكثر في حال من يُصَدِّقْ من ينتسبون إلى الصلاح، أو يظهر عليهم الوَلَايَةْ، والصلاح، ويُخْبِرُونَ بالمغيبات، والناس يصدقونهم على اعتبار أنهم يُحَدَّثُونَ بذلك، ولهم في ذلك -كما ذكرنا- شبهة، وهذه تمنع من إخراجهم من الملة والكفر الأكبر.

ولهذا صار الصحيح هو القول بأنَّ تصديق الكاهن يعني في الخبر المُغَيَّب بخصوصه، يعني (من أتى فسأل فصدق) بالخبر بعينه، أنَّ هذا كفر دون كفر، لا يُخْرِجُ من الملة؛ لكن يجب معه التعزير البليغ، والردع؛ حتى ينتهي عمَّا سَمَّاهُ النبي صلى الله عليه وسلم كفرًا.

- القول الثالث وهو رواية عن الإمام أحمد: أنَّه يُتَوَقَّف فيه، فلا يقال هو كفر أكبر ولا أصغر؛ لأنَّ الحديث أطلق، ثم لبقاء الردع في الناس، والتخويف في هذا الباب. اهـ.

فالحاصل: أن ما ذكرته عن نفسك ليس من الكفر المخرج من الملة، وانظري الفتوى رقم: 340282.

ثم إننا لاحظا في أسئلتك السابقة أن لديك وسوسة في أمر الكفر والردة، فنسأل الله لك العافية.

واعلمي أنه لا علاج لك إلا بالإعراض عن الوساوس جملة، والكف عن التشاغل بها، وقطع الاسترسال معها، وعدم السؤال عنها، والضراعة إلى الله بأن يعافيك منها. وينبغي لك كذلك مراجعة الأطباء النفسيين، لعلاج ما ألمّ بك من داء الوسوسة، وأما تشقيق المسائل، وتتبع الفتاوى، فلا تشفي من الوسواس أبدًا، بل إنها تزيد الموسوس رهقًا وحيرة!

وراجعي نصائح لعلاج الوسوسة في الكفر في الفتاوى التالية: 51601، 10355، 215206.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني