السؤال
لماذا ينسب الذين خرجوا عن اليهودية والنصرانية الحقة، وجاءوا بما يخرجهم من هذين الدينين إلى اليهودية والنصرانية، مع أنهم خارجون عن تعاليمها؟
كالذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وأن عزيرًا ابن الله، مع أن اليهودية والنصرانية الحقة كانتا موجودتين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فلماذا ينسب هؤلاء الخارجون إليها؟
أوضح أكثر: لو أن فئة من المسلمين -لا قدر الله- جاءت بقول جديد، وبهتان مكفر ومخرج من دين الإسلام. هل يصح أن ننسب هذه الفئة إلى المسلمين ونقول "قال المسلمون كذا"
فلماذا نسب الله عز وجل هذه الفئة الخارجة إلى هذين الدينين؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفرق بين اليهودية والنصرانية، وبين الإسلام من هذه الحيثية هو: أن من يخرج عن الإسلام ويخلع ربقته من عنقه، لم تصح نسبته إليه؛ لأنه دين الله المحفوظ الذي قامت به حجة الله على عباده. وأما اليهودية والنصرانية، فمع تحريف أتباعهما لمعالم دينهم، أصولا وفروعا: قد نسخا بالفعل منذ البعثة النبوية. هذا أمر، وأمر آخر وهو أن نسبة أهل الكتاب لليهودية والنصرانية، ليست من فعلنا نحن المسلمين، وإنما هي من فعل أصحابها أنفسهم، فهم من ينسبون أنفسهم لموسى والتوراة، أو لعيسى والإنجيل، فعرفوا بهذه النسبة ولو كانت في غير محلها! فاليهود ينسبون أنفسهم لموسى والتوراة، والنصارى لعيسى والإنجيل، وإن كانوا في الحقيقة من أعداء موسى وعيسى، ومن المخالفين للتوراة والإنجيل المنزلتين من عند الله!!
إذن فاليهودية والنصرانية ليستا اصطلاحا عن الدين الحق الذي جاء به كل من موسى وعيسى، -على نبينا وعليهما أفضل الصلاة والسلام- ونزلت به التوراة والإنجيل، وإنما هما اصطلاح عن النسبة التي يدعيها أصحابها، سواء صح ذلك أو لم يصح. ويتأكد هذا بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يُقبل من أحد اتباع غيره من الأنبياء فضلا عن غيرهم، فبعد بعثته صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد من أهل الأرض أن ينتسب إلى دين غير الإسلام، ولا أن يتبع رسولا غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حتى مع افتراض أن دينهم بقي على ما أنزل عليه من غير تحريف! وبهذا يعرف أن من بقي من أهل الكتابين من قبلنا على دينه، ولم يؤمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، أنهم ليسوا على شيء، فلم يعد بعدئذ في النسبة إلى اليهودية أو النصرانية إلا معنى الكفر المحض كحال المشركين، كما قال الله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ. رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً -إلى أن قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:1: 6].
وأما الإسلام فليس مجرد علم، أو اسم لأتباع خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما هو دين جميع الأنبياء -عليهم السلام- بمن فيهم موسى وعيسى، -على نبينا وعليهما أفضل الصلاة والسلام- وراجع في ذلك الفتاوى التالية أقامها: 39118، 34493، 350230.
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 42]: قال قتادة: ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام؛ إن دين الله الإسلام، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله". وروي عن الحسن البصري نحو ذلك. اهـ.
وروى ابن جرير عن مجاهد نحوه أيضا. وعن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن»، فقرأ عليه: {لم يكن الذين كفروا} [البينة: 1]، وقرأ فيها: "إن ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية، من يعمل خيرا فلن يكفره". رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. والحاكم وصححه ولم يتعقبه الذهبي. وحسنه الألباني.
وقال ابن الملقن في المعين على تفهم الأربعين: رواه أبو عمرو بن مُعلى في فوائده بإسنادٍ جيِّد. وهذا مما نُسِخَ لفظهُ وبقي معناهُ. اهـ.
والله أعلم.