السؤال
توفي جدي الإمام، والحامل لكتاب الله بسرطان الكبد، عن عمر يناهز 92 سنة، ومن شدة حزني عليه وشوقي له، تمنيت الموت. وكنت أسمع أحيانا عن أشخاص يموتون من شدة حزنهم على فراق أعز الناس لديهم ـ تمنيت الموت في سري، ولكنني لم أفكر في الانتحار أبداـ وهناك فرق- كنت فقط أستعجل الموت، وأفكر في لو أني أموت بقبض روحي فجأة من ملك الموت، كأن أنام ليلا فأموت، أو كأن أمشي في سلام في الطريق فتدهسني سيارة، أو يُسقط الله علي شيئا من السماء؛ فألقى ربي، وألقى والدي في حياة البرزخ أيضا.
أحيانا أتراجع عن هذا التفكير لكي لا أترك المسؤولية ورائي لمن لا يحتملها، فأنا أكبر أشقائي.
هل أحساب على هذا التفكير عموما؟ وهل هناك فرق بين التفكير في الانتحار، وتمني أو استعجال الموت بقضاء من الله فقط؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ورد النهي عن تمني الموت، أو الدعاء به على النفس، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي. رواه البخاري.
وقد استثني من ذلك بعض الحالات, كما سبق في الفتوى رقم: 342556.
ولا يعتبر تمني الموت مثل الانتحار، فإن الانتحار هو قتل المرء لنفسه. وقد ورد فيه وعيد شديد، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه، في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.
وهذا التمني المنهي عنه يشمل التمني بالقلب، والتمني الذي ينطق به صاحبه.
يقول العلامة ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين، عند الكلام على حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. متفق عليه.
قال رحمه الله تعالى: في هذا الحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان أن يتمنى الموت لضر نزل به. وذلك أن الإنسان ربما ينزل به ضر يعجز عن التحمل ويتعب؛ فيتمنى الموت، يقول: يا رب أمتني، سواء قال ذلك بلسانه، أو بقبله. فنهى النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به)) . فقد يكون هذا خيرا له.
ولكن إذا أصبت بضر فقل: اللهم أعني على الصبر عليه، حتى يعينك الله فتصبر، ويكون ذلك لك خيراً.
أما أن تتمنى الموت فأنت لا تدري، ربما يكون الموت شراً عليك لا يحصل به راحة، كما قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
الإنسان ربما يموت فيموت إلى عقوبة- والعياذ بالله- وإلى عذاب قبر، وإذا بقي في الدنيا فربما يستعتب ويتوب، ويرجع إلي الله فيكون خيراً له؛ فإذا نزل بك ضر فلا تتمنى الموت، وإذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- نهى أن يتمنى الإنسان للضر الذي نزل به، فكيف بمن يقتل نفسه إذا نزل به الضر، كما يوجد من بعض الحمقى الذين إذا نزلت بهم المضائق خنقوا أنفسهم أو نحروها، أو أكلوا سما أو ما اشبه ذلك، فإن هؤلاء ارتحلوا من عذاب إلى أشد منه، لم يستريحوا، لكن -والعياذ بالله- انتقلوا من عذاب إلى أشد؛ لأن الذي يقتل نفسه يعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، إن قتل نفسه بحديدة- خنجر أو سكين، أو مسمار أو غير ذلك - فإنه يوم القيامة في جهنم يطعن نفسه بهذه الحديدة التي قتل بها نفسه. وإن قتل نفسه بسم فإنه يتحساه في نار جهنم، وإن قتل نفسه بالتردي من جبل، فإنه ينصب له جبل في جهنم يتردى من أبد الآبدين وهلم جرا!
فأقول: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يتمنى الإنسان الموت للضر الذي نزل به، فإن أعظم من ذلك أن يقتل الإنسان نفسه، ويبادر الله بنفسه، نسأل الله العافية..... اهـ.
والله أعلم.