السؤال
لنفرض أن رجلاً عمل كثيرا من الحسنات من صلاة وصيام وحج وعمرة إلخ، ومات وعمره 25 سنة، وأن رجلا عمل نفس الأعمال ولكن مدة أطول ومات وعمره 50 سنة، فمن المؤكد أن الذي مات وعمره 50 سنة حسناته أكثر، فكيف نوفق بالعدل الإلهي بين الرجلين ؟
لنفرض أن رجلاً عمل كثيرا من الحسنات من صلاة وصيام وحج وعمرة إلخ، ومات وعمره 25 سنة، وأن رجلا عمل نفس الأعمال ولكن مدة أطول ومات وعمره 50 سنة، فمن المؤكد أن الذي مات وعمره 50 سنة حسناته أكثر، فكيف نوفق بالعدل الإلهي بين الرجلين ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن ما يمن الله به على العبد من الاستقامة، وما يرزقه من طول العمر وحسن العمل، هو محض فضله ومنته تبارك وتعالى، وأنه إن جازى المسيء بإساءته فذلك عدله، وما تفضل به على المحسن من مثوبته فذلك فضله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. فهذا الذي قضى الله له بطول العمر مع زيادة في العمل، ومن ثم استحق زيادة في الثواب قد تفضل الله عليه بمزيد فضل، ولا حجر على فضل الله تعالى، وهو سبحانه لم يظلم الآخر شيئا، بل جازاه بما عمله من الطاعات بمقتضى فضله ورحمته، والكل في ملك الله وقبضته، والله تعالى لا يُسأل عما يفعل لكمال عدله وحكمته، فالهداية فضله، والثواب عليها فضله،، وهو سبحانه يتفضل بما شاء على من شاء؛ كما قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ {القصص:68}، فأنت لو علمت أن العباد لا يدخلون الجنة بأعمالهم وإنما يدخلونها برحمة الله لهم، وأن طاعاتهم لا تقاوم نعم الله عليهم، وأنه تعالى لو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، علمت أن الفضل كله بيديه وأنه محمود على كل ما يفعله في هذا الكون، يقول ابن القيم: وطاعات العَبْد كلهَا لَا تكون مُقَابلَة لنعم الله عَلَيْهِم وَلَا مُسَاوِيَة لَهَا؛ بل وَلَا للقليل مِنْهَا، فَكيف يسْتَحقُّونَ بهَا على الله النجَاة ؟ وَطَاعَة الْمُطِيع لَا نِسْبَة لَهَا إِلَى نعْمَة من نعم الله عَلَيْهِ فَتبقى سَائِر النعم تتقاضاه شكرا، وَالْعَبْد لَا يقوم بمقدوره الَّذِي يجب لله عَلَيْهِ، فَجَمِيع عباده تَحت عَفوه وَرَحمته وفضله فَمَا نجا مِنْهُم أحد إِلَّا بعفوه ومغفرته، وَلَا فَازَ بِالْجنَّةِ إِلَّا بفضله وَرَحمته، وَإِذا كَانَت هَذِه حَال الْعباد فَلَو عذبهم لعذبهم وَهُوَ غير ظَالِم لَهُم. انتهى.
وبه يسقط سؤالك بمرة، فإن الذي مات صغيرا قد غمره فضل الله فلا حجة له على الله، بل لله الحجة البالغة على جميع خلقه، وهو لم يظلمه شيئا وإنما تفضل على غيره أكثر مما تفضل عليه، وهذا محض فضله تعالى يؤتيه من يشاء على وفق ما تقتضيه الحكمة، فله الحمد والمنة تبارك وتعالى وتقدس.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني