السؤال
من فضلكم، هل يجوز هذا الدعاء: اللهم أعط لوالدي من حسناتي، وأعطني من سيئاته.
وسؤالي الثاني: منذ وفاة والدي -رحمه الله- لم أستطيع الخشوع في الصلاة، مثلا عند السجود، مرة أسجد سجدة واحدة، ومرة أسجد مرتين، ومرة أسجد ثلاث مرات.
ماذا أفعل عند الخطأ؟
جزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما سؤالك الأول: فإن دعاء الله تعالى بأن يعطي أباك من حسناتك، مما رخص فيه كثير من أهل العلم، ورأوا أنه ينفع الميت، وانظر الفتوى رقم: 53044.
وأما الدعاء بأن يضع الله عليك من سيئات أبيك، فمما لا ينبغي بحال، وفيه من الاستخفاف بالسيئات، والاستهانة بالتعرض لعقوبة رب الأرض والسماوات، ما لا يخفى. وقد يدخل ذلك في معنى الاعتداء في الدعاء، وقد قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]. وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد حرم الظلم على نفسه، وتحميل المرء سيئات غيره، نوع من الظلم، ولذلك قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت: 12].
قال السعدي في تفسيره: قال: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} لا قليل، ولا كثير. فهذا التحمل، ولو رضي به صاحبه، فإنه لا يفيد شيئا، فإن الحق لله، والله تعالى لم يمكن العبد من التصرف في حقه إلا بأمره وحكمه، وحكمه {أن لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. اهـ.
وقال تعالى أيضا: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: 18].
وقال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): قوله: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء} إبطال لقولهم: {ولنحمل خطاياكم} نقض العموم في الإثبات، بعموم في النفي؛ لأن شيء في سياق النفي، يفيد العموم، لأنه نكرة، وزيادة حرف: مِنْ، تنصيص على العموم. والحمل المنفي هو ما كان المقصود منه دفع التبعة عن الغير، وتبرئته من جناياته، فلا ينافيه إثبات حمل آخر عليهم، هو حمل المؤاخذة على التضليل، في قوله: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم{ [العنكبوت: 13]. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، ومن ذلك أن يبخس المحسن شيئا من حسناته، أو يحمل عليه من سيئات غيره، وهذا من الظلم الذي نزه الله نفسه عنه. كقوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما}. قال غير واحد من السلف: الهضم أن يهضم من حسناته، والظلم أن يزاد في سيئاته، وقد قال تعالى: .. {قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد. ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} ... وقال تعالى: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب}. اهـ.
وبوسع السائل أن يدعو لنفسه ولوالده بمغفرة الذنوب، كما دعا بذلك الصالحون من عباد الله، كما دعا الخليل عليه السلام فقال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41] وكذلك نوح عليه السلام فقال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [نوح: 28].
وأما سؤالك الثاني: فالأسباب المعينة على الخشوع في الصلاة كثيرة، انظر لمعرفة بعضها الفتاوى التالية أرقامها: 124712، 138547، 141043.
ثم إن كان ما يحصل لك من الشك في صلاتك قد بلغ حد الوسوسة، فلا تلتفت إليه، ولا تعره اهتماما، وأما إن كان شكا عاديا، فإنك تبني على الأقل إن شككت هل سجدت سجدة أو سجدتين، وتسجد للسهو في آخر صلاتك قبل أن تسلم، وننصحك بمراجعة باب سجود السهو في فتاوانا، من خلال الدخول على العرض الموضوعي للفتاوى، فثم فائدة كبيرة إن شاء الله.
والله أعلم.