السؤال
قرأت الفتويين رقم: 119712، ورقم: 203506، ولكنني بحاجة للمزيد من التفصيل لذلك سأطرح السؤال مفصلاً عن طريقة متداولة حالياَ للعمل على الإنترنت، وكثير من الشباب العربي يسوق لها، ومنهم من يعمل بها فعلا: إنشاء متجر إلكتروني لبيع منتجات ملموسة ـ وليست رقمية ـ وطريقة البيع تكون بوضع مواصفات المنتج ـ السعر، والشكل مع صور، واللون، والمدة ـ على الموقع الخاص بي، ولكنني لا أملك المنتج فعلا، وإنما سأقوم بشراء المنتج للزبون وشحن المنتج له من متاجر عالمية مثل: علي بابا، علي اكسبريس، أمازون، أي باي ـ بعد أن يشتريه من المتجر الخاص بي، مع العلم أن هذه المواقع مضمونة من حيث التوصيل والمواصفات، والكمية تكون معروفة بالنسبة لي، وأعرف عدد المنتجات الموجودة لديهم، فهل هذا يعد بيع مالا يملك أم يدخل في بيع السلم؟ فإذا كان البيع بهذه الطريقة جائزا؟ فهل يجوز شراء منتجات رخيصة الثمن وعمل إعلان لها على موقع فيس بوك مثلا وبيعها بسعر أعلى، أو وضع منتج في متجري وليكن مقصا بسعر 4 دولار وسعره في المتجر العالمي 1 دولار، أو وضع منتج بسعر 1 دولار وسعره بالمتجر العالمي 4 دولار ويتم وضع أجور شحن عليه تغطي قيمة المنتج والربح منه؟ علما بأن الموقع يستهدف بلدانا معينة مثل كندا وأستراليا، وفي بعض الحالات المتجر العالمي لا يفرض رسوم شحن لهذه البلدان، وفي جميع الأحوال فالشخص الذي سيشتري يعلم تماما سعر المنتج والرسوم المفروضة عليه ـ السعر النهائي ـ من متجري قبل أن يطلبه، ويتم البحث عن المنتجات بشكل مفصل ومقارنتها ودفع مال لتسويقها، والمتجر يطلب رسوما شهرية تدفع له.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في فتاوانا السابقة أنه لا يجوز بيع السلع قبل تملكها، لورود النهي الصريح عن ذلك، فعن حكيم بن حزام ـ رضي الله عنه ـ قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك. رواه أحمد وأصحاب السنن، وحسنه الترمذي.
قال ابن قدامة في المغني: ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، ليمضي ويشتريها ويسلمها، رواية واحدة، وهو قول الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفاً. اهـ.
وذكرنا أن المخرج من صورة بيع ما لا يملك هو: إما اتباع طريقة بيع السلم: بأن تتفق مع طالب السلعة على بيعه سلعة موصوفة صفتها كذا وكذا, يستلمها منك في أجل محدد تتفقان عليه, ويدفع إليك ثمنها مباشرة بمجلس العقد، لتبقى المطالبة بالسلعة في ذمتك, وهذه الصورة جائزة, وفيها مخرج مما ذكرت، لأنه ليس بيعًا لسلعة قائمة بعينها، وإنما هو على سلعة موصوفة في الذمة.
والمخرج الثاني هو: الاتفاق مع طالب السلعة على جلبها إليه من مالكها مقابل عمولة معلومة، فتكون وكيلا عنه حينئذ لكنك مؤتمن في الثمن وتكاليف الشحن، فلا تكتم عنه ذلك، ولا تخدعه بذكر ثمن غير حقيقي أو تكاليف وهمية، بل بين له ذلك، وحدد له العمولة التي تريدها مقابل تلك الخدمة.
وهناك مخرج آخر: وهو أن تتفق معه على جلب السلعة التي يرغب فيها، وأنك ستشتريها بناء على رغبته، فإذا اشتريتها من مالكها بعتها لطالبها حينئذ، ولك أن تطلب منه مبلغا قبل شرائك للسلعة ضمانًا لجديته في الشراء بعد تملكك لها, فإن نكل عن وعده في الشراء، ولحقك ضرر بسبب وعده جاز لك أن تأخذ من ذلك المبلغ بقدر الضرر, وإن لم يلحقك ضرر لزمك رد كامل المبلغ إليه, جاء في قرار المجمع الفقهي المنعقد في سنة 1403هـ الموافق 1983م: ويرى المؤتمر أن أخذ العربون في عمليات المرابحة وغيرها جائز بشرط أن لا يحق للمصرف أن يستقطع من العربون المقدم إلا بقدر الضرر الفعلي المتحقق عليه من جراء النكول. اهـ
وعليه، فالصورة الأولى ينبني الحكم فيها وتحديد ما إذا كانت بيع سلم أو بيع ما لا يتملك على الاتفاق، وكيفية العقد بينك وبين طالبها، وأما مسألة شراء منتجات رخيصة وبيعها بسعر أعلى: فهذا لا حرج فيه، وكذلك العكس لو اشتريت منتجات غاليه وبعتها بثمن رخيص وربحت من أجرة شحنها لطالبها، فهذا لا حرج فيه أيضا، ولا بأس بالجمع بين البيع والإجارة.
والله أعلم.