السؤال
لدي سؤال، وأرجو أن تقوموا بالفتوى، ولكم جزيل الشكر.
ما حكم شراء شيء إجارة، مدة معينة.
مثال: هناك شخص قال لي: لدي مبنى، وأريد أن ((أؤجره)) لك بقيمة مليون، بشرط أن يعود لي المبنى بعد أن تحقق ضعف قيمته، أي مليونين.
هل هذا يجوز؟ هل يجوز أن أشتري المبنى؟
أيضا.
مثال: قال لي شخص: لدي مبنى، وأريد أن ((أبيعه)) لك بقيمة مليون، بشرط أن يعود لي المبنى بعد أن تحقق ضعف قيمته، أي مليونين.
ما الفرق بين المثالين في الحكم. هل يوجد فرق في الشراء منهما؟ هل المال حلال أو هو ربا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحقيقة البيع، تخالف حقيقة الإجارة، وأصل ذلك أن البيع يقع على الأعيان، وأما الإجارة فتقع على المنافع.
جاء في (الموسوعة الفقهية): مع أن الإجارة من قبيل البيع، فإنها تتميز بأن محلها بيع المنفعة لا العين. في حين أن عقود البيع كلها التعاقد فيها على العين. كما أن الإجارة تقبل التنجيز، والإضافة، بينما البيوع لا تكون إلا منجزة. والإجارة لا يستوفى المعقود عليه فيها وهو المنفعة دفعة واحدة، أما في البيوع فيستوفى المبيع دفعة واحدة. كما أنه ليس كل ما يجوز إجارته، يجوز بيعه، إذ تجوز إجارة الحر؛ لأن الإجارة فيه على عمل، بينما لا يجوز أن يباع؛ لأنه ليس بمال. اهـ.
وإذا عُرف هذا، فإن تحديد كون العقد بيعا، أو إجارة يرجع إلى مقصود العقد، وغايته، ومعناه، وإن خالفت ألفاظه وصيغته، على خلاف بين أهل العلم في ذلك؛ والقاعدة أن: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني، وقد سبق إيضاحها قبل ذلك في الفتوى رقم: 177629.
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية من أصول الإمام أحمد: أن العقود تنعقد بما يدل على مقصودها من قول، أو فعل. قال: فهو لا يرى اختصاصها بالصيغ. اهـ.
وقال ابن القيم في (إعلام الموقعين): لما كان لفظ البيع يحتمل هذا وهذا ـ يعني بيع الأعيان وبيع المنافع ـ تنازع الفقهاء في الإجارة: هل تنعقد بلفظ البيع؟ على وجهين، والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود، انعقدت بأي لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما، وهذا حكم شامل لجميع العقود، فإن الشارع لم يحد لألفاظ العقود حدا، بل ذكرها مطلقة، فكما تنعقد العقود بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية، والرومية، والتركية، فانعقادها بما يدل عليها من الألفاظ العربية أولى وأحرى، ولا فرق بين النكاح وغيره، وهذا قول جمهور العلماء كمالك، وأبي حنيفة، وهو أحد القولين في مذهب أحمد. اهـ.
وذكر ابن رجب في (القواعد): قاعدة: فيما إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها، فهل يفسد العقد بذلك، أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه؟ وفيه خلاف، يلتفت إلى أن المغلَّب هل هو اللفظ أو المعنى. اهـ.
وعلى ذلك، فالمثالان اللذان ذكرها السائل لهما حكم واحد؛ لأن حقيقتهما واحدة، وإن كان أحدهما بلفظ البيع، والآخر بلفظ الإجارة. وهو عقد فاسد على أية حال.
فأما المثال الأول ففاسد؛ لأن الإجارة لا بد لها من أجل معلوم، يُردُّ أمر العين المؤجرة بعده إلى صاحبها. والعقد المذكور يربط ذلك بأجل مجهول، وهو مدة تحصيل المؤجر لربح قيمته ألفا ألف (مليونان) وهذا قد يطول وقد يقصر، بل قد لا يتحقق أصلا.
قال ابن قدامة في (المغني): الإجارة إذا وقعت على مدة، يجب أن تكون معلومة كشهر وسنة. ولا خلاف في هذا نعلمه؛ لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه، المعرفة له، فوجب أن تكون معلومة. اهـ.
ونقل عن ابن المنذر قوله: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن استئجار المنازل، والدواب جائز. ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة. اهـ.
وأما المثال الثاني فهو إما إجارة بلفظ البيع ـ كما هو الظاهر ـ فيكون فيها ما سبق، إضافة إلى الخلاف في صحة الإجارة بلفظ البيع.
وقد ذكر ابن رجب في (القواعد): قاعدة: في انعقاد العقود بالكنايات، واختلاف الأصحاب في ذلك. وذكر من فروعها: لو أجره عينا بلفظ البيع، ففي الصحة وجهان. وقال صاحب التلخيص: إن أضاف البيع إلى العين، لم يصح. والوجهان في إضافتها إلى المنفعة. اهـ.
وإما بيع على بابه، وهو فاسد أيضا في الصورة المذكورة؛ لأن العقد يخالف معنى البيع ومقتضاه، وهو تملك رقبة المبيع ملكا مستقرا، واستحقاق التصرف فيه.
وقد ذكر ابن قدامة الأنواع الأربعة للشروط في البيوع وغيرها، وأحكامها، ومنها: اشتراط ما ينافي مقتضى البيع، مثل أن يشترط أن لا يبيع، ولا يهب، أو يشترط عليه أن يبيعه، أو متى نفق المبيع وإلا رده، أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن، قال: فهذه وما أشبهها شروط فاسدة. اهـ.
والخلاصة أن المعاملة بالصورة المسؤول عنها: لا تجوز، وعقدها فاسد في المثالين، لأنه لم يستوف شروط صحة: لا البيع، ولا الإجارة. والعقد الفاسد يفسخ، وإذا فسخ بعد استيفاء شيء من المنفعة، وجب فيه أجرة المثل عن المدة السابقة.
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 213649، 110496، 43972.
والله أعلم.