السؤال
بالنسبة للإجماع، فالشخص الذي يؤمن بإجماع الصحابة، والقرون الثلاثة الأولى، ولا يجادل في ذلك، ولكنه لا يؤمن بإجماع باقي الأمة، ويتبع القول بتضعيف حديث: لا تجتمع أمتي على ضلالة. وأيضا يقول إن سبيل المؤمنين، هو سبيل الصحابة الذين لا أنكر إجماعهم.
فهل هذا كفر أو حرام أو لا؟
وكذلك القياس: من يؤمن بقياس الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، ولكنه لا يأخذ بقياس غيرهم؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمثل هذا الشخص المذكور، لا ينكر حجية الإجماع بإطلاق، وإنما ينكر حجيته، أو وقوعه بعد عصر الصحابة والتابعين وأتباعهم من أهل القرون المفضلة.
وهذا له وجهته، سواء من حيث استقرار الأحكام الشرعية في هذه المدة، بما يعني معرفة مواضع الإجماع، ومواضع الاختلاف. أو من ناحية تعسر القطع بإجماع أهل العلم بعد هذه المدة؛ حيث انتشروا من شرق العالم الإسلامي على حدود الصين، إلى غربه في الأندلس!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تعداد طرق الأحكام الشرعية التي نتكلم عليها في أصول الفقه: ...
الطريق الرابع: الإجماع، وهو متفق عليه بين عامة المسلمين من الفقهاء، والصوفية، وأهل الحديث، والكلام وغيرهم في الجملة، وأنكره بعض أهل البدع من المعتزلة، والشيعة. لكن المعلوم منه هو ما كان عليه الصحابة، وأما ما بعد ذلك فتعذر العلم به غالبا؛ ولهذا اختلف أهل العلم فيما يذكر من الإجماعات الحادثة بعد الصحابة، واختلف في مسائل منه، كإجماع التابعين على أحد قولي الصحابة، والإجماع الذي لم ينقرض عصر أهله حتى خالفهم بعضهم، والإجماع السكوتي وغير ذلك. اهـ.
وأما حديث: لا تجتمع أمتي على ضلالة. فهو على شهرته، وكثرة طرقه، لا يسلم واحد منها من مقال.
ولذلك قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: هذا حديث مشهور؛ له طرق كثيرة، لا يخلو واحد منها من مقال. اهـ.
وقد تتبع الحافظ ابن كثير طرقه في (تحفة الطالب) وضعفها.
وإنما قواه من قواه، وحسَّنه، بكثرة طرقه.
قال السخاوي في المقاصد الحسنة، والعجلوني في كشف الخفاء: حديث مشهور المتن، ذو أسانيد كثيرة، وشواهد متعددة في المرفوع وغيره. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 285655.
وقد سبق لنا التنبيه على أنه لا خلاف بين العلماء في وقوع الإجماع على الأحكام التي تعلم من الدين بالضرورة، ولكن وقع الخلاف في وقوع الإجماع في الأحكام الظنية، على مذهبين، راجعهما في الفتوى رقم: 28730. وراجع في تكفير مخالف الإجماع، الفتوى رقم: 185943.
والأمر في شأن القياس أهون، ولا سيما مع الاعتداد بقياس أهل العلم في القرون الأولى. فقد أنكر حجيته رأسا، طائفة من أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان طرق الأحكام: الطريق الخامس: القياس على النص، والإجماع، وهو حجة أيضاً عند جماهير الفقهاء، لكن كثيراً من أهل الرأي أسرف فيه حتى استعمله قبل البحث عن النص، وحتى رد به النصوص، وحتى استعمل منه الفاسد. ومن أهل الكلام، وأهل الحديث، وأهل القياس من ينكره رأساً، وهي مسألة كبيرة، والحق فيها متوسط بين الإسراف، والنقض. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 75439، 95052.
والله أعلم.