الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف العامي عند اختلاف العلماء في الفتوى

السؤال

أريد القول الراجح وقول أكثر أهل العلم فيما يخص العامي إذا اختلف العلماء في مسألة. وأرجو الجواب على قدر السؤال بدون زيادة ولا نقصان، وإذا اتبعت الفتوى الأيسر لي طالما كان العالم ثقة، فهل يجوز ذلك؟ وإذا كان ذلك لا يجوز واتبعتها، فهل تبطل الفتوى أم علي ذنب فقط؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تباينت اتجاهات العلماء تبياناً كبيرًا فيما يلزم العامي الأخذ به إذا اختلفت عليه أقوال العلماء، جاء في التحبير للمرداوي: إذا اختلف عليه فتيا مفتيين: تخير في الأخذ، على الصحيح، اختاره القاضي والمجد وأبو الخطاب، وذكره ظاهر كلام أحمد، فإنه سئل عن مسألة في الطلاق؟ فقال: إن فعل حنث، فقال السائل: إن أفتاني إنسان لا أحنث؟ قال: تعرف حلقة المدنيين؟ قلت: فإن أفتوني حل؟ قال: نعم.

وقيل: يأخذ بقول الأفضل علما ودينا، فإن استويا تخير، هذا اختيار الشيخ موفق الدين في الروضة، لا التخيير، كما ذكره ابن مفلح في أصوله، لكنه علل التخيير، وظاهره أنه مال إليه.

وقيل: يأخذ بقول الأغلظ والأثقل، ذكره ابن البنا.

وقيل: يأخذ بالأخف، اختاره عبد الجبار.

وقيل: يأخذ بأرجحهما دليلا ذكره ابن البنا أيضا، وينبغي أن يكون هذا هو الصحيح. قال في أعلام الموقعين: يجب عليه أن يتحرى ويبحث عن الراجح بحسبه، وهو أرجح المذاهب السبعة. انتهى.

وقيل: يسأل مفتيا آخر، قال الطوفي وغيره: ويحتمل أن يسقطا ويرجع إلى غيرهما إن وجد، وإلا فإلى ما قبل السمع. اهـ.

والذي نرجحه أنه يجب على العامي بذل وسعه، وأن يعمل بما يقدر عليه من الترجيح بين المفتين كأن يرجح أحدهما لغزارة علمه أو لثقته وأمانته ودينه، فإن عجز عن ذلك أخذ بالأيسر من أقوال العلماء، قال العلامة ابن عثيمين: مسائل العلم يجب على الإنسان أن يتبع من يرى أنه أقرب إلى الصواب، إما لغزارة علمه، وإما لثقته وأمانته ودينه، فإن لم يعلم أيهما أرجح في ذلك فقد قال بعض أهل العلم إنه يخير، إن شاء أخذ بقول هذا، وإن شاء أخذ بقول هذا، وقال بعض العلماء يأخذ بما هو أحوط أي بالأشد احتياطاً وإبراءً للذمة، وقال بعض العلماء يأخذ بما هو أيسر، لأن ذلك أوفق للشريعة، إذ إن الدين الإسلامي يسر، كما قال الله تبارك وتعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ ـ وكما قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ـ وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الدين يسر ـ وكما قال وهو يبعث البعوث: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ـ أي أنه إذا اختلفت آراء العلماء عندك وليس عندك ترجيح، فإنك تأخذ بالأيسر، لهذه الأدلة، ولأن الأصل براءة الذمة، ولو ألزمنا الإنسان بالأشد للزم من ذلك إشغال ذمته، والأصل عدم ذلك، وهذا القول أرجح عندي ـ أي أن العلماء إذا اختلفوا على قولين وتكافأت الأدلة عندك في ترجيح أحد القولين فإنك تأخذ بالأيسر منهما ـ وهذا أعني القول بالأخذ بالأيسر فيما يتعلق بنفس الإنسان، أما إذا كان يترتب على ذلك مفسدة، فإنه يمتنع من إظهار ذلك وإعلانه... وعلى هذا، فنقول: القول الصحيح أن نأخذ بالأيسر ما لم يتضمن ذلك مفسدة، فإن تضمن ذلك مفسدة فليأخذ بالأيسر في حق نفسه فقط. اهـ.

والأخذ بالأيسر من أقوال العلماء ليس مذموما بإطلاق، فإن ظهر للشخص رجحان القول الأيسر من أقوال العلماء بأي وجه من أوجه الترجيح المعتبرة، فلا إشكال البتة في جواز الأخذ به، وأما في حال لم يتبين للمرء رجحانه: فيسوغ له الأخذ به إذا لم يتبين له صواب أحد الأقوال الأخرى في المسألة ـ بعد بذل الوسع في التماس ذلك ـ على ما سبق، وكذا يتسع الأمر في الأخذ بأخف الأقوال، ويسوغ عند الحاجة إليه، ووقوع المشقة بتركه، وأما الأخذ بأيسر الأقوال في مسألة مع ظهور رجحان غيره دون حاجة، أو قصد الأخذ بالأيسر في مسائل الخلاف مطلقا دون التفات إلى الراجح من الأقوال: فهذا هو تتبع الرخص المذموم، وراجع لمزيد بيان وتفصيل لهذا كله الفتوى: 170931، وإحالاتها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني