السؤال
نشكركم على هذا الموقع لإفادتنا بما يختلج في صدورنا، جزاكم الله خيرا.
سؤالي هو: أننا نعرف جميعا أن أي دعاء بإذن الله مجاب في ثلاث حالات يعطي الله السائل ما أراد، أو يصرف عنه سوءا في الدنيا، أو يدخره له الله عز وجل للآخرة.
فهل ساعات الإجابة من كل ليلة ويوم الجمعة ودعاء التعار من الليل تدخل في هذا الإطار؟ أم أن الله يعطي للمجتهد الذي يتحرى هذه الساعات عين ما يريد؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي البداية ننبه على أن استجابة الدعاء مشروطة بانتفاء موانع الإجابة , فليس كل داع يستجاب له على الإطلاق, وقد ذكرنا موانع الإجابة, وذلك في الفتوى رقم: 269989.
وبخصوص إعطاء السائل عين ما سأله في أوقات الإجابة فالظاهر أنه يعطى ذلك إذا اجتمعت شرائط الدعاء وانتفت موانعه.
قال الصنعاني في التَّنوير: فإن الدعاء إذا وافق وقتًا من أوقات الإجابة وهي ثلث الليل الآخر وعند الأذان وبين الأذان والإقامة، وفي أدبار الصلوات المكتوبات وعند صعود الإِمام يوم الجمعة على المنبر حتى يقضي الصلاة وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم وثمة ساعات أخر ورد بها النص: عند نزول الغيث وعند ملاقاة الأعداء في الجهاد وعند ختم القرآن، وغير ذلك ووافق خشوعًا من القلب وانكسارًا بين يدي الرب وذلاً وتضرعًا ورقة واستقبال القبلة وكون الداعي على طهارة ورفع يديه وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلاة على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقدمًا للتوبة والاستغفار متوسلاً إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته وتوحيده متحريًا الأدعية التي ورد بها الأثر كما في الدعاء الذي فيه اسمه الأعظم وقد قدمنا الكلام فيه أو داعيًا بما دعا به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأدعية التي قدمنا ذكرها ولم يدع بإثم ولا قطيعة رحم فلا بد من إنجاح مسألته وقضاء حاجته وكشف كربته. انتهي.
ووقت الإجابة من كل ليلة ورد فيه كثير من الأحاديث الصحيحة, ومنها قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه, واللفظ للبخاري: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني، فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له.
قال الحافظ ابن حجر تعليقا على هذا الحديث: وليست السين في قوله تعالى فأستجيب للطلب بل أستجيب بمعنى أجيب، وفي حديث الباب من الفوائد تفضيل صلاة آخر الليل على أوله، وتفضيل تأخير الوتر لكن ذلك في حق من طمع أن ينتبه. وأن آخر الليل أفضل للدعاء والاستغفار، ويشهد له قوله تعالى والمستغفرين بالأسحار، وأن الدعاء في ذلك الوقت مجاب، ولا يعترض على ذلك بتخلفه عن بعض الداعين؛ لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس أو لاستعجال الداعي أو بأن يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو تحصل الإجابة ويتأخر وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله. انتهي
وحديث الإجابة في ساعة الجمعة ثابت في الصحيحين, وفي لفظ للبخاري: «في يوم الجمعة ساعة، لا يوافقها مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله خيرا إلا أعطاه» وقال بيده، قلنا: يقللها، يزهدها.
وقد علق العراقي في طرح التثريب على هذا الحديث تعليقا نفيسا مطولا, ومن ضمن ما ذكره: وروى الطبراني في معجمه الأوسط من حديث أنس قال «عرضت الجمعة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحديث وفيه وفيها ساعة لا يدعو عبد ربه بخير هو له قسم إلا أعطاه أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه».
ففي هذا الحديث أنه لا يجاب إلا فيما قسم له وهو كذلك ولعله لا يلهم الدعاء إلا فيما قسم له جمعا بينه وبين الحديث الذي أطلق فيه أنه يعطى ما سأله، ولكن جاء في حديث أنس في رواية ذكرها البيهقي في المعرفة وإن لم يكن قسم له ادخر له ما هو خير منه وقوله أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه لم يذكر فيه دفع المستعاذ منه فكأن المعنى دفع عنه ما هو أعظم إن لم يقدّر له دفع ما تعوذ منه ويحتمل أنه سقط منه لفظة (أو) وأنه كان إلا دفع عنه أو ما هو أعظم منه فإن نسخ المعجم الأوسط يقع فيها الغلط كثيرا لعدم تداولها بالسماع.
وقد ورد في حديث «إن الداعي لا يخطئه إحدى ثلاث إما أن يستجاب له، أو يدخر له في الآخرة، أو يدفع عنه من سوء مثلها» ولكن ذلك الحديث في مطلق الدعاء فلا بد وأن يكون للدعاء في ساعة الإجابة مزيد مزية، وقد يقال ذكر في مطلق الدعاء أن يدفع عنه من السوء مثلها، وذكر في ساعة الإجابة دفع ما هو أعظم منه، فهذه هي المزية. والله أعلم. انتهي
وأما حديث من تعار من الليل, فقد رواه البخاري, وغيره, ولفظه: من تعارَّ من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته. انتهي
وعبارة "استجيب له" لا تعني حصول عين المقصود ولابد, بل تفيد الإجابة, وهي صادقة بحصول إحدي ثلاث خصال, قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: كل داع يستجاب له لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه، وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رفعه ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ولأحمد من حديث أبي هريرة إما أن يعجلها له، وإما أن يدخرها له، وله في حديث أبي سعيد رفعه ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، وصححه الحاكم. انتهى
والله أعلم.