السؤال
توقفت عن الدراسة عند الصف الثالث الثانوي لفترة، ثم رجعت للدراسة؛ لأنني لم أجد وظيفة جيدة، وبفضل الله عز وجل، وكرمه عليّ استطعت اجتياز الثانوية، وحصلت على النسبة المطلوبة، فقررت دخول الجامعة؛ لأن الجامعيين وظائفهم أفضل، ورواتبهم أحسن، وقبلوني، وبحمد الله ومنته سبحانه وكرمه علي دخلت الجامعة، واخترت تخصص التاريخ من كلية الآداب، وإلى الآن لم أتخصص، فأنا في بداية الطريق، وكنت أُفكر من بداية السنة في دخول كلية الشريعة، ولكنني ترددت، وأفطر الآن في التحويل إلى كلية الشريعة، فهل يجوز دخول كلية الشريعة، ودراسة العلم الشرعي من أجل الدنيا ـ الراتب بعد التخرج، وتعلم العلم الشرعي ـ وليس لتعليم الناس، ولا أنوي أن أُصبح مدرسًا؟ وإذا كانت الإجابة: نعم، ألا يُعتبر هذا شركًا، حيث قال الله عز وجل في الحديث القدسي: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه؟ وماذا عن هذا الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله ـ فكيف أجمع هذا الحديث مع سابقه؟ وهل له علاقة بسؤالي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرزقك رزقًا طيبًا، وأن يوفقك للعلم النافع والعمل الصالح، وراجع في فضل التعليم الفتوى رقم: 21061.
وأما دخول كلية الشريعة لأجل التعلم مع الراتب: فلا بأس به، وإنما المحظور تمحض النية للرياء، أو إرادة الدنيا.
وأما حديث: أنا أغنى الشركاء عن الشرك... فهو في الرياء، وليس في الصورة المذكورة، قال العلامة القرافي في الفروق: الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ ـ تعليقًا على الحديث: وَأَمَّا مُطْلَقُ التَّشْرِيكِ كَمَنْ جَاهَدَ لِيُحَصِّلَ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْجِهَادِ، وَلِيُحَصِّلَ الْمَالَ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ، وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ، فَفَرْقٌ بَيْنَ جِهَادِهِ لِيَقُولَ النَّاسُ إنَّهُ شُجَاعٌ، أَوْ لِيُعَظِّمَهُ الْإِمَامُ فَيُكْثِرَ إعْطَاءَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ رِيَاءٌ حَرَامٌ، وَبَيْنَ أَنْ يُجَاهِدَ لِيُحَصِّلَ السَّبَايَا وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ مِنْ جِهَةِ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ، فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَ، وَلَا يُقَالُ لِهَذَا رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنَّ الرِّيَاءَ لِيَعْمَلَ أَنْ يَرَاهُ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ خَلْقِهِ، وَالرُّؤْيَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الْخَلْقِ، فَمَنْ لَا يَرَى وَلَا يُبْصِرُ لَا يُقَالُ فِي الْعَمَلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ رِيَاءٌ، وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ فِي الْغَنِيمَةِ وَنَحْوُهُ لَا يُقَالُ إنَّهُ يَرَى أَوْ يُبْصِرُ، فَلَا يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَفْظُ الرِّيَاءِ؛ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ حَجَّ وَشَرَّك فِي حَجِّهِ غَرَضَ الْمَتْجَرِ بِأَنْ يَكُونَ جُلُّ مَقْصُودِهِ، أَوْ كُلُّهُ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ خَاصَّةً، وَيَكُونَ الْحَجُّ إمَّا مَقْصُودًا مَعَ ذَلِكَ، أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَيَقَعُ تَابِعًا اتِّفَاقًا، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ، وَلَا يُوجِبُ إثْمًا، وَلَا مَعْصِيَةً. انتهى.
وراجع سائر كلامه فهو نفيس.
وأما حديث: من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله... فقد بينا صحته ومعناه في الفتوى رقم: 140752.
والله أعلم.