السؤال
قال الله عز وجل في سورة الأنعام 148: سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء.
وفي سورة النحل مثلها.
نرجو إيضاح هذه المقولة، واحتجاج المشركين بالقدر؟ وهل حاج آدم موسى بالقدر وكيف يكون ذلك؟
نرجو تجلية المسألة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن عباد الأصنام كانوا يحتجون بالقدر على جواز الشرك والانحراف، كما قال تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا {الأنعام:148}.
وقد ذكر أهل العلم أن الاحتجاج بالقدر على الذنوب والآثام باطل، فإن المشرك يفعل هذا الباطل باختياره، لا يشعر أن أحداً يجبره عليه، فكان واجباً عليه أن يمتثل أمر ربه بتوحيده، وترك الإشراك به، وكل هذا في مقدوره، وتحت وسعه، ولو كان القدر حجة لأحد ما في ذنب، لكان حجة لإبليس، وفرعون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة: فإن الاحتجاج بالقدر باطل، باتفاق أهل الملل، وذوي العقول، وإنما يحتج به على القبائح والمظالم من هو متناقض القول، متبع لهواه كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري. أي مذهب وافق هواك، تمذهبت به. ولو كان القدر حجة لفاعل الفواحش، والمظالم لم يحسن أن يلوم أحد أحدا، ولا يعاقب أحد أحدا. فكان للإنسان أن يفعل في دم غيره، وماله، وأهله ما يشتهيه من المظالم، والقبائح، ويحتج بأن ذلك مقدر عليه. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -أيضا- في الفتاوى: ولهذا كل ما في الوجود واقع بمشيئة الله، وقدره، كما تقع سائر الأعمال، لكن لا عذر لأحد بالقدر، بل القدر يؤمن به، وليس لأحد أن يحتج على الله بالقدر، بل لله الحجة البالغة، ومن احتج بالقدر على ركوب المعاصي، فحجته داحضة، ومن اعتذر به، فعذره غير مقبول، كالذين قالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، والذين قالوا: لو شاء الرحمن ما عبدناهم. كما قال تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (الزمر:56-57). انتهى.
وراجع للمزيد في الموضوع، وفي محاجة آدم، موسى الفتويين التاليتين: 242914 ، 286309
والله أعلم.