السؤال
إذا خشي العائن من إخبار المعين وتوصيل وضوئه له من أن يفضي هذا إلى شر كبير مثل الغضب، والوجد، والتغير، والقطيعة إن كان من المقربين أو الأصدقاء، فما العمل؟ وهل يجوز الاكتفاء بالدعاء للمعين فقط أم يكون آثمًا إذا لم يعطه فضل وضوئه؟ وكيف يصب الماء على المعين دون علمه وبغتة وهو بثيابه؟ وهل قد يكون هذا مدعاة لغضبه؟ وهل يجزئ إذا لم يأت الأمر بغتة وأخبر المعين وصب الماء على نفسه بنفسه عريانًا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بيّنّا بالفتوى رقم: 264643 كيفية تصرف العائن الذي يخاف غضب المعين عليه، وأنه ينبغي أن يحتال في إيصال ماء غسالته للمصاب حتى يغتسل به.
والظاهر: أنه يصب الماء على رأس المصاب وما أمكن من جسده من خلفه، و يجزئ إذا لم يصب عليه بغتة، ويمكن أن يصب المصاب الماء على نفسه بنفسه عريانًا، ويمكن صبه عليه بعلمه أو من دون علمه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بصب الماء على سهل، فصبه عليه أحد الصحابة، ولا يلزم أن يشمل جميع جسد المصاب بماء غسل العائن ويكفي أن يصب عليه، ففي رواية الموطإ للإمام مالك: فغسل عامر -وهو الذي أصاب سهلًا بالعين- وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه -على سهل-، فراح سهل مع الناس ليس به بأس.
وروى البيهقي في السنن عن ابن شهاب الزهري كيفية الغسل، وأن الماء يصب على رأس المصاب، فقال: ثم يصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعين من خلفه صبة واحدة.
قال الحافظ في الفتح: وقد وقعت صفة الاغتسال في حديث سهل بن حنيف عند أحمد، والنسائي، وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج وساروا معه نحو ماء حتى كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف، وكان أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة! فلبط أي صرع -وزنًا ومعنى- سهل، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: هل تتهمون به من أحد؟ قالوا: عامر بن ربيعة. فدعا عامرًا، فتغيظ عليه، فقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟! هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت. ثم قال: اغتسل له. فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره، ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس ... انتهى.
أما مسألة علاج المعين بدعاء العائن له: فنرجو حصول النفع به، ولا سيما إن كان بظهر الغيب، لما في الحديث: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل. رواه مسلم.
وأما عن الاثم في عدم إعطاء الماء الذي توضأ به: فإن من طلب منه أن يغتسل يجب عليه أن يمتثل الأمر على الراجح، ويأثم إن امتنع؛ لمخالفته الأمر الدال على الوجوب في قوله صلى الله عليه وسلم: وإذا استغسلتم فاغسلوا.
جاء في شرح النووي على مسلم: قال المازري: والصحيح عندي الوجوب، ويبعد الخلاف فيه إذا خشي على المعين الهلاك وكان وضوء العائن مما جرت العادة بالبرء به، فإنه يصير من باب من تعين عليه إحياء نفس مشرفة على الهلاك، وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر فهذا أولى. انتهى.
وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري: ويؤمر العائن بالاغتسال ويجبر إن أبى؛ لأن الأمر حقيقة للوجوب، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو، لا سيما إذا كان سببه وهو الجاني عليه. انتهى.
والله أعلم.