السؤال
أعمل بالسعودية في مركز مرموق وبراتب جيد جدا وأعيش حياة كريمة تتوفر فيها كل سبل الراحة ـ والحمد لله ـ ومعي أولادي وزوجتي
ولكنني في الفترة الأخيرة شعرت بعدم الرضا عن وضعي الحالي وأريد أن يتربى أولادي في بلدهم الأصلي بين أهليهم وأريد العودة إلى مصر لأبحث عن عمل أو أبدأ في أي مشروع تجاري، ولا أمتلك ما يؤهلني للعمل في مصر، فهل إن فعلت ذلك وقررت العودة وتركت عملي في السعودية مع أن أصحاب العمل لا يريدون ذلك، ويتمسكون بعملي معهم، يكون من البطر على نعمة الله وجحودها وعدم الرضا بشيء قد كتبه الله علي؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن ييسر لك الخير، واعلم أن الخطب يسير ـ إن شاء الله ـ لا يستوجب التعب والقلق من الجهة الشرعية، واعلم أن قرارك في هذا الأمر شأن شخصي لك، وسواء بقيت في عملك هذا أو تركته: فلا إثم عليك ولا مذمة شرعا ـ إن شاء الله ـ وتركك لعملك هذا وأوبتك إلى بلدك ليس من بطر النعمة أو جحودها، ولا يعني أنك لست راضيا بقضاء الله تعالى، وراجع الفتويين رقم: 132376، ورقم: 235192.
والذي نوصيك به: هو استخارة الله جل وعلا والاستعانة به في أن ييسر الخير لك، وأن يلهمك الصواب، وللإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ كلام نفيس حول دعاء الاستخارة ننقله لك للفائدة، فقد قال رحمه الله: صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي، وعاجل أمري وآجله، فاقدره لي، ويسره لي، وبارك لي فيه، وإن كنت تعلمه شرا لي في ديني ومعاشي، وعاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به، قال: ويسمي حاجته ـ رواه البخاري، فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، والخروج من عهدة نفسه، والتبري من الحول والقوة إلا به، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها، وإرادته لها، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق، وفي مسند الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله، وسخطه بما قضى الله ـ فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفا بأمرين: التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله، والرضى بما يقضي الله له بعده وهما عنوان السعادة، وعنوان الشقاء أن يكتنفه ترك التوكل والاستخارة قبله، والسخط بعده، والتوكل قبل القضاء، فإذا أبرم القضاء وتم، انتقلت العبودية إلى الرضى بعده، كما في المسند، وزاد النسائي في الدعاء المشهور: وأسألك الرضى بعد القضاء ـ وهذا أبلغ من الرضى بالقضاء، فإنه قد يكون عزما فإذا وقع القضاء، تنحل العزيمة، فإذا حصل الرضى بعد القضاء، كان حالا أو مقاما، والمقصود أن الاستخارة توكل على الله وتفويض إليه واستقسام بقدرته وعلمه، وحسن اختياره لعبده، وهي من لوازم الرضى به ربا، الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك، وإن رضي بالمقدور بعدها فذلك علامة سعادته. اهـ من زاد المعاد باختصار.
والله أعلم.