السؤال
ما حكم الولي إذا رمى العلبة التي تحتوي على أشرطة قرآنية؟ وقد كتب على العلبة اسم القارئ، وربما تكون البسملة مكتوبة على العلبة، وكان ذلك عند مشاجرته مع زوجته، وأظن أنه فعل ذلك بسبب الغضب، ولقد حدث ذلك مرتين متتاليتين في نفس الجلسة، وما حكم زواج ابنته؛ لأنه كان وليها في النكاح؟ وهل يجب على ابنته سؤاله إن كان ذلك بقصد الاستخفاف، أو الاستهزاء بالقرآن، أو لا؟ مع أن غلبة الظن أنه لم يفعل ذلك بقصد الاستخفاف، أو الاستهزاء، وسؤاله عن ذلك يسبب حرجًا شديدًا، وقد كان ذلك منذ وقت طويل -جزاكم الله خيرًا-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن الواضح من خلال سؤالك وبعض أسئلتك السابقة أنك مبتلاة بالوسوسة، والذي ننصحك به هو تجاهل الوساوس، والإعراض عنها.
وأما هذا الرجل فلا يحكم عليه بالردة فيما وقع منه، وليس عليك سؤاله عن مراده؛ لأن هذه الأشرطة ليس لها حرمة القرآن، ولأنك لا توقنين بكتابة البسملة عليها، وما دام الأمر مشكوكًا فيه، فلا يحكم بالردة؛ لأنه لا يزول يقين الإسلام بمجرد الشكوك، والوساوس، وقد سئل الشيخ عبد الرحمن بن جبرين عن حكم أشرطة القرآن إذا تلفت، هل يجوز رميها في سلة المهملات؟ وهل يأثم الإنسان إذا رماها، فأجاب: يجوز إتلافها إذا تعذر الانتفاع بها، أو تعذر أن يسجل عليها مواعظ، أو محاضرات، فإذا كانت لا تصلح فلا مانع من إتلافها, وذلك لأنها ليس لها حرمة القرآن الذي هو الكتابة بالحروف، فإنها ليست مقروءة، ويمكن مسحها، وبه يزول أثرها، فلا يأثم إذا أتلفها، أو رمى بها في سلة المهملات. انتهى.
وقد ذكر أهل العلم أن الغضب قد يبلغ ببعض الناس مبلغًا يتصرف بسببه تصرفًا لا يليق، ولكنه لا يؤاخذه الشرع بما حصل منه بسبب الغضب، فقد جاء في إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان لابن القيم: إن موسى -صلوات الله عليه- لم يكن ليلقي ألواحًا كتبها الله تعالى، فيها كلامه من على رأسه إلى الأرض، فيكسرها اختيارًا منه لذلك، ولا كان فيه مصلحة لبني إسرائيل؛ ولذلك جره بلحيته، ورأسه، وهو أخوه، وإنما حمله على ذلك الغضب، فعذره الله سبحانه به، ولم يعتب عليه بما فعل، إذ كان مصدره الغضب الخارج عن قدرة العبد، واختياره، فالمتولد عنه غير منسوب إلى اختياره، ورضاه به. اهـ
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: قاعدة الشريعة أن العوارض النفسية لها تأثير في القول إهدارًا واعتبارًا وإعمالًا وإلغاء، وهذا كعارض النسيان، والخطأ، والإكراه، والسكر، والجنون، والخوف، والحزن، والغفلة، والذهول؛ ولهذا يحتمل من الواحد من هؤلاء من القول ما لا يحتمل من غيره، ويعذر بما لا يعذر به غيره؛ لعدم تجرد القصد، والإرادة، ووجود الحامل على القول، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الغضب مانعًا من تكفير من قال له ولأصحابه: هل أنتم إلا عبيد لأبي، وجعل الله سبحانه الغضب مانعًا من إجابة الداعي على نفسه، وأهله، وجعل سبحانه الإكراه مانعًا من كفر المتكلم بكلمة الكفر، وجعل الخطأ، والنسيان مانعًا من المؤاخذة بالقول، والفعل. انتهـى.
وذكر أهل العلم أيضًا أن من حصل منه ما يحتمل الردة، وغيرها لا يكفر بذلك، كما قال علي القاري في شرح الشفا: قال علماؤنا: إذا وجد تسعة وتسعون وجهًا تشير إلى تكفير مسلم، ووجه واحد إلى إبقائه على إسلامه فينبغي للمفتي، والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجًا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة. رواه الترمذي، والحاكم. اهـ.
والله أعلم.