السؤال
أود السؤال عن الفصل في مسألة شرعية اجتهادية عامة تخص الدولة (سواء خلاف قديم أو مستجد)، لمن يكون الفصل فيها هل لولي الأمر (المفتي) أم لولي الأمر (الحاكم)، بعبارة أخرى، هل يفصل المفتي (يرجح) وعلى الحاكم التنفيذ، أم يعرض المفتي الأقوال وأدلتها وعلى الحاكم الفصل (الترجيح) والتنفيذ؟ هذا أولا.
وثانيا: إذا كانت المسألة الشرعية الاجتهادية خاصة، هل يكون الفصل فيها للمفتي أم للقاضي؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فولاية الحاكم أو السلطان ولاية عامة، وإليه المرجع في أمر اختيار القائمين بخلافته على مصالح الأمة وولايات الدولة ! وقد عدد أهل العلم ما يلزمه من الأمور العامة، ومنها:
ـ حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة.
ـ تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصام بين المتنازعين.
ـ استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال.
ـ أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفح الأحوال؛ لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة. (باختصار من كتاب الأحكام السلطانية للماوردي).
ولذلك كان العلم شرطا من الشروط المعتبرة في منصب الإمامة العظمى. قال الماوردي: الشروط المعتبرة في أهل الإمامة سبعة: أحدها: العدالة على شروطها الجامعة. والثاني: العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام... اهـ.
ولا يخفى أنه عند تحقق ذلك، فإن أمر الاختيار والترجيح يكون ابتداءً للحاكم. فإذا لم يكن من أهل العلم والاجتهاد لزمه رد الأمر إلى أهله من المجتهدين أفراداً أو هيئاتٍ، ثم العمل بما انتهى إليهم اجتهادهم.
وقد قسم الماوردي ما يصدر عن الإمام (الحاكم) من ولايات خلفائه إلى أربعة أقسام، فكان منها: القسم الثالث: من تكون ولايته خاصة في الأعمال العامة، وهم كقاضي القضاة ونقيب الجيوش وحامي الثغور ومستوفي الخراج وجابي الصدقات؛ لأن كل واحد منهم مقصور على نظر خاص في جميع الأعمال.
والقسم الرابع: من تكون ولايته خاصة في الأعمال الخاصة، وهم كقاضي بلد أو إقليم أو مستوفي خراجه أو جابي صدقاته أو حامي ثغره أو نقيب جند؛ لأن كل واحد منهم خاص النظر مخصوص العمل، ولكل واحد من هؤلاء الولاة شروط تنعقد بها ولايته، ويصح معها نظره ... اهـ. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 159065.
وأما السؤال عن الفصل في المسألة الاجتهادية، وهل هو للمفتي أم للقاضي؟ فجوابه يحتاج لبيان الفرق بين المفتي والقاضي، والعمل عند اختلافهما، وهذا قد سبق لنا بيانه في الفتويين: 139799، 125918.
والله أعلم.