السؤال
أنا أسكن مع شاب في غرفة، وقد نصحته بشأن الصلاة في وقتها.
أنا أذهب للصلاة وأعود للغرفة، لكن الشاب لا يهتم بالصلاة في وقتها ـ وهو يكون مستيقظا متكئا على سريره ـ ولا يقوم لصلاة الفجر إلا حينما يحين وقت عمله، فيصليها قضاء، ثم يذهب للعمل.
سؤالي:
ما هو الواجب عليّ شرعا تجاه هذا الشاب الذي ذكرت لكم حاله؟ وهل يجوز لي أن أشعل ضوء الغرفة المشتركة بيننا حين عودتي من الصلاة بعد شروق الشمس -وهو لا يزال متكئا لم يصل بعدُ- أم أنه لا يجوز لي إزعاجه بالضوء -ولو كان يريد النوم وتأخير الصلاة-؟
وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن ذلك الشخص على خطر عظيم؛ لأن تعمد تأخير الصلاة عن وقتها أمر محرم، بل كبيرة من كبائر الذنوب، قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ: تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ... قَالَ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] {إِلا مَنْ تَابَ} [مريم: 60] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ مَعْنَى أَضَاعُوهَا: تَرَكُوهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَكِنْ: أَخَّرُوهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ -إمَامُ التَّابِعِينَ-: هُوَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى تَأْتِيَ الْعَصْرُ، وَلَا يُصَلِّيَ الْعَصْرَ إلَى الْمَغْرِبِ، وَلَا يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ إلَى الْعِشَاءِ، وَلَا يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ إلَى الْفَجْرِ، وَلَا يُصَلِّيَ الْفَجْرَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ يَتُبْ أَوْعَدَهُ اللَّهُ بِغَيٍّ وَهُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، بَعِيدٌ قَعْرُهُ شَدِيدٌ عِقَابُهُ. اهـ.
وأما ما الواجب عليك شرعًا: فينبغي لك -أخي السائل- أن تنصح ذلك الشخص؛ إذ النصيحة من الدين -كما لا يخفى-، بل من الفقهاء من يرى أنها فرض عين، وتجب ولو لم يطلبها الشخص المنصوح؛ جاء في الشرح الصغير من كتب المالكية:
وَتَجِبُ النَّصِيحَةُ لَهُمْ؛ أَيْ: لِلْمُسْلِمِينَ فَرْضُ عَيْنٍ؛ بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ إلَى مَصَالِحِهِمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ بِرِفْقٍ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ طَلَبُوا ذَلِكَ أَمْ لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ-: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» (وَحَرُمَ أَذَاهُمْ) أَيْ: الْمُسْلِمِينَ. اهـ.
وفي حاشية العدوي: وَهَلْ ذَلِكَ فَرْضُ عَيْنٍ طُلِبَتْ مِنْك، أَوْ لَا، أَوْ كِفَايَةٍ؟ قَوْلَانِ؛ الْأَوَّلُ لِلْغَزَالِيِّ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ. اهـ.
فاجتهد في نصحه فإن انتفع بالنصيحة فبها ونعمت، وإن لم ينتفع فقد أديت ما أوجبه الله عليك، ولا حرج عليك في إضاءة إنارة الغرفة بعد عودتك من الصلاة.
والله تعالى أعلم.