السؤال
هل يجوز إعطاء أموال الزكاة إلى امرأة راشدة، أحسبها على صلاح في أمر دينها، لتوزيعها على بعض الأسر المحتاجة التي تقوم هي بتحديدها وعمل بحث لحالتها، أم إن هذا لا يجوز عملاً بالآية الكريمة: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم، حيث قال المفسرون إن السفهاء هم النساء والأطفال؟
وشكراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس المراد من الآية النساء دون الذكور، إنما السفه في الآية معنى يجمع سوء التصرف في المال وعدم القدرة على حفظه، سواء أكان ذلك في الرجال أو النساء، فإذا كانت المرأة لا تحسن التصرف في المال، ولا تقدر على حفظه دخلت في الآية، أما أن يراد بالآية النساء بإطلاق فغير مُسلَّم، ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على أن المراد بالآية النساء، ولم يتفق السلف على تفسير الآية بذلك.
قال الإمام ابن جرير الطبري بعد أن حكى الاختلاف بين السلف في تفسير الآية: والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه عمَّ بقوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم فلم يخصص سفيهاً دون سفيه. فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله، صبياً صغيراً كان أو رجلاً كبيراً كان أو أنثى.
والسفيه الذي لا يجوز للولي أن يؤتيه ماله، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله وفساده وإفساده وسوء تدبيره.
وإنما قلنا ما قلنا، من أن المعني بقوله: ولا تؤتوا السفهاء هو من وصفنا دون غيره، لأن الله جل ثناؤه قال في الآية التي تتلوها: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم إذا بلغوا النكاح وأونس منهم الرشد، وقد يدخل في اليتامى الذكور والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لهم من الأموال، الذكور دون الإناث، ولا الإناث دون الذكور. اهـ.
وإلى هذا نحا الإمام الجصاص فقال بعد أن ذكر آثاراً عن السلف في تفسير الآية أن المراد بالسفهاء والصبيان: وهذا محمول على التي لا تقوم بحفظ المال، لأنه لا خلاف أنها إذا كانت ضابطة لأمرها حافظة لمالها دفع إليها إذا كانت بالغاً قد دخل بها زوجها. اهـ.
وقال ابن حزم: أَمَّا الصِّبْيَانُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، بِأَنَّهُنَّ سُفَهَاءُ، بَلْ قَدْ ذَكَرَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الرِّجَالِ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ فَقَالَ: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} [الأحزاب: 35] وَفِي سَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ. اهـ.
ونقل الإمام القرطبي عن الإمام النحاس أن تفسير السفهاء بالنساء لا يصح. وهذا هو الراجح.. فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن. وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن ولم يسأل ولم يستفصل.
وأتته زينب امرأة عبد الله وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة، هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن، وأيتام لهن؟ فقال: نعم. رواهما البخاري.
فعلم من هذا أن المرأة في التصرف في المال كالرجل لا تمنع من التصرف في المال إلا إذا ظهرت عليها أمارة السفه من تضييع المال وإتلافه.
إذا تقرر هذا؛ فلا حرج -إن شاء- الله في إعطاء هذه المرأة أموال الزكاة؛ لتقوم بتوزيعها على الأسر المحتاجة، بشرط أن تكون أمينة وممن يحسن التصرف، وحفظ المال، وتعلم ما هي المصارف التي تصرف الزكاة إليها.
والله أعلم.