السؤال
أريد قضاء أيّام لم أصمها، ولكنّي لا أعرف كم عددها, فقرّرت أن أصوم صيام داود عليه السلام إن شاء الله إلى مماتي, فما هي صيغة النيّة؟ علما أنّني أنوي قضاء ما لم أصمه, وإن بلغت ذلك فما زاد عليه إن شاء الله تُحسبُ سنّة، فكيف أنوي هذا الصيام؟ ولو صادف يوم فطري ما يسنّ صومه كعرفة وعاشوراء وغيرهما هل يمكن صيامهما؟ هل أنوي بصيغة أخرى؟
بارك الله فيكم و زادكم من علمه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمن كان عليه قضاء صيام لا يعلم عدده فإنه يجتهد في تقدير تلك الأيام ويقضي ما يتيقن براءةَ ذمته به، وقيل يقضي ما يغلب على ظنه براءةُ ذمته به، قال محمود خطاب السبكي في كتابه الدين الخالص: فائدة: من فاتته فرائض لا يدري عددها، يلزمه القضاء حتى يغلب على ظنه براءة ذمته عند الحنفيين، ومالك، وحتى يتيقن براءتها عند الشافعية، والحنبلية. اهـ.
قال الشيخ وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي: خامسًا: القضاء إن جهل عدد الفوائت، قال الحنفية: من عليه فوائت كثيرة لا يدري عددها، يجب عليه أن يقضي حتى يغلب على ظنه براءة ذمته، وقال المالكية، والشافعية، والحنابلة: يجب عليه أن يقضي حتى يتيقن براءة ذمته من الفروض. اهـ.
والنية محلها القلب ولا تحتاج إلى صيغة أو لفظ، بل التلفظ بها في الصيام بدعة، فيكفي أن تنوي أنك تصوم هذا اليوم قضاء عن يوم فاتك، وإذا صادف يوم فطرك يوما يستحب صيامه فصمه عن القضاء ولا تصمه بنية التنفل، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه يكره لمن عليه قضاء صوم أن يشتغل بصيام نفل عنه حتى يقضي ما عليه من الصوم الواجب، وقال الحنفية يجوز بلا كراهة.
جاء في الموسوعة الفقهية: تَنَفُّل مَنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ مَنْ جِنْسِهِ قَبْل أَدَائِهِ: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّنَفُّل بِالصَّلاَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْفَوَائِتُ، وَأَمَّا التَّنَفُّل بِالصَّوْمِ قَبْل قَضَاءِ رَمَضَانَ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ التَّنَفُّل لِمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ مِنَ الصَّلاَةِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لاِسْتِدْعَائِهِ التَّأْخِيرِ، وَقَالُوا: يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ كَالْمَنْذُورِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَذَلِكَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَعَدَمِ فَوْرِيَّتِهِ.
وَجَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ نَقْلاً عَنِ الْجُرْجَانِيِّ: يُكْرَهُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِصَوْمٍ، وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ مِمَّنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ، فَنَقَل عَنْهُ حَنْبَلٌ أَنَّهُ قَال: لاَ يَجُوزُ لَهُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مِنَ الْفَرْضِ حَتَّى يَقْضِيَهُ، يَبْدَأُ بِالْفَرْضِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ صَامَهُ، يَعْنِي بَعْدَ الْفَرْضِ، وَاسْتَدَل بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يُتَقَبَّل مِنْهُ حَتَّى يَصُومَهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّطَوُّعُ؛ لأِنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ مُوَسَّعٍ فَجَازَ التَّطَوُّعُ فِي وَقْتِهَا قَبْل فِعْلِهَا. اهــ مختصرا.
والله تعالى أعلم