الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالإعانة على معصية الله تعالى محرمة في ذاتها، فلا تجوز في حق مسلم ولا كافر، بل الواجب هو الإعانة على ترك المعاصي كبارها وصغارها؛ لقوله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. [المائدة: 2].
قال السعدي: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ}: وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها، ويحرج. {وَالْعُدْوَانِ}: وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم. فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه. اهـ.
والمسلم مأمور بأن يتحرى في اختيار أصحابه وخلانه، فلا يصاحب غير المؤمنين، ولا يخالط غير المتقين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني. وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لتأثير الصحبة فقال: إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء: كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة. متفق عليه.
ومثل هذا النافخ في الكير يجب البعد عنه ومجانبته، فمصاحبته خسارة في الدنيا، وندامة في الآخرة؛ قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلً. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا [الفرقان:27 – 28]. وقال سبحانه: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ. [الزخرف:67].
ومن أضرار الصحبة الفاسدة أنهم يخوضون في معصية الله تعالى، فإن شاركهم صاحبهم، فهو أحدهم، وإن سكت عن منكرهم كان مثلهم، قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ. [النساء: 140].
قال ابن عطية في (المحرر الوجيز): في هذه الآية دليل قوي على وجوب تجنب أهل البدع، وأهل المعاصي، وأن لا يجالَسوا، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ قوما يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب، وقرأ هذه الآية {إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة، وهذا المعنى كقول الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكلّ قرين بالمقارن يقتدي. اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): قال العلماء: مجالسة أهل المنكر لا تحل، وقال ابن خويز منداد: من خاض في آيات الله، تركت مجالسته، وهجر، مؤمنا كان أو كافرا، واستدلوا بقوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}. ولقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}.
قال القرطبي : فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر.
وقال الجصاص: وفي هذه الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر على فاعله، وأن من إنكاره إظهار الكراهية إذا لم يمكنه إزالته، وترك مجالسة فاعله، والقيام عنه حتى ينتهي، ويصير إلى حال غيرها. اهـ.
فاجتنب -يرحمك الله- مصاحبة الأشرار والفجار، واجتهد في البحث عن الصحبة الصالحة الناصحة، فإن لم تجد فاعلم أن العزلة أسلم لك، فقد روى ابن أبي عاصم في كتاب الزهد عن أبي ذر قال: الوحدة خير من صاحب السوء.
وقد سبق لنا بيان الخطوات المعينة على تجنب رفاق السوء، في الفتوى رقم: 9163.
وأما حكم السائل على نصيحة غير المسلمين بأنها لا فائدة منها، فهذا ليس على إطلاقه، فإن هناك من المعاصي ما اجتمع أهل الملل على تحريمه، وقبحه، ونكارته، ثم إن أهم ما ينصحون به هو تحصيل الأصل من الإيمان بالله تعالى، والدخول في الإسلام دين الله الحق.
جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب الحنابلة إلى أنه لا يجب على المسلم أن ينصح الكافر، أو الذمي؛ لحديث: "الدين النصيحة؟ قلنا: لمن يا رسول الله، قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، وإلحاق غير المسلم بالمسلم يصح إذا كان مثله، وليس الذمي كالمسلم، ولا حرمته كحرمة المسلم".
وقال ابن حجر العسقلاني: التقييد بالمسلم -أي في حديث جرير رضي الله تعالى عنه- وفيه: "فشرط علي والنصح لكل مسلم". للأغلب، وإلا فالنصح للكافر معتبر، بأن يدعى إلى الإسلام، ويشار عليه بالصواب إذا استشار. اهـ.
والله أعلم.