الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين السور المكية والمدنية والقرائن المميزة لكل منهما

السؤال

ما الفرق بين السور المكية والمدنية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر الزركشي في كتابه: "البرهان في علوم القرآن" اختلاف العلماء في ذلك، فقال: اعلم أن للناس في ذلك ثلاثة اصطلاحات:

أحدها: أن المكي ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة.

والثاني، وهو المشهور: أن المكي ما نزل قبل الهجرة، وإن كان بالمدينة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، وإن كان بمكة.

والثالث: أن المكي ما وقع خطابًا لأهل مكة، والمدني ما وقع خطابًا لأهل المدينة.

وعليه يحمل قول ابن مسعود الآتي؛ لأن الغالب على أهل مكة الكفر، فخوطبوا: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ"، وإن كان غيرهم داخلًا فيها، وكان الغالب على أهل المدينة الإيمان، فخوطبوا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا"، وإن كان غيرهم داخلًا فيهم.

ونص كلام ابن مسعود هو، كما رواه الحاكم، والبيهقي، وغيرهما: كل شيءٍ نزل فيه: "يا أيها الناس"، فهو بمكة، وكل شيء نزل فيه: "يا أيها الذين آمنوا"، فهو بالمدينة.

قال الزركشي : وقد نص على هذا القول جماعة من الأئمة، منهم: أحمد بن حنبل، وغيره، وبه قال كثير من المفسرين، ونقله عن ابن عباس، وهذا القول - أي: قول ابن مسعود - إن أخذ على إطلاقه، ففيه نظر، فإن سورة البقرة مدنية، وفيها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وفيها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168]. وسورة النساء مدنية، وفيها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ [النساء:133]. وسورة الحج مكية، وفيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77].

فإن أراد المفسرون أن الغالب ذلك، فهو صحيح؛ ولذا قال مكي: هذا إنما هو الأكثر، وليس بعام، وفي كثير من السور المكية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.

والأقرب تنزيل قول من قال: مكي ومدني، على أنه خطاب المقصود به، أو جُلّ المقصود به، أهل مكة. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كذلك بالنسبة لأهل المدينة. اهـ.

ولكل منهما علامات يعرف بها، ذكرها الزركشي بقوله: ومن جملة علاماته:

أن كل سورة فيها: يا أيها الناس، وليس فيها: يا أيها الذين آمنوا، فهي مكية، وفي الحج اختلاف.

وكل سورة فيها: كلا، فهي مكية.

وكل سورة أولها حروف المعجم، فهي مكية، إلا البقرة، وآل عمران، وفي الرعد خلاف.

وكل سورة فيها قصة آدم وإبليس، فهي مكية، سوى البقرة.

وكل سورة فيها ذكر المنافقين، فمدنية، سوى العنكبوت.

وقال هشام - بن محمد بن السائب الكلبي- عن أبيه: كل سورة ذكرت فيها الحدود، والفرائض، فهي مدنية، وكل ما كان فيه ذكر القرون الماضية، فهي مكية. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني