السؤال
لقد ابتلاني الله عز وجل بعقوق أمي، وأبي لي -والحمد لله على كل حال - ومشكلتي هي أن أبي، وأمي كانا كثيري الشجار فيما بينهما، فلا يكاد يمر أسبوع إلا وكانا يتشاجران على الأقل ثلاث، أو أربع مرات، منذ صغري، حتى إنهما لم يعلماني أي شيء مفيد في ديني، أو دنياي بسبب انشغالهما بمشاكلهما التي لا تنتهي، وقد انفصلا بالطلاق منذ 14 سنة، ومنذ ذلك الوقت ومشاكلهما أيضًا لا تنتهي، فأمي تحاول أن تنتقم من أبي، من خلالي أنا وأختي، وأبي يريد أن ينتقم منها بالمال، فلا هي كانت تحضنا على بر أبينا، أو زيارته، ولا هو كان ينفق علينا بشكل طبيعي، ولكن إحقاقًا للحق كان يرسل أحيانًا حوالات بريدية ببعض المال، حتى قامت هي برفع قضية نفقة لزيادة هذا المال، فحينها توقف أبي تمامًا عن إرسال أي أموال لنا، وقامت أمي أيضًا بمنعنا منذ طلاقها وإلى اليوم، من زيارة أبينا، أو حتى رؤيته، حتى إن أختي لم تر أبي منذ أن كان عمرها 5 سنوات، ومررت بالكثير من العذاب، والقهر في حياتي مع أمي، خصوصًا أنها أصبحت ترى أبي في شخصي، وتحاول الانتقام مني، ومع ذلك - والحمد لله - كنت أقترب أكثر من الله، وأنا الآن لا أشعر بأي محبة، أو كراهية لهما، ولكني أسعى للبر بهما ابتغاء وجه الله عز وجل لا أكثر، ولا أقل، وخلاصة القول حتى لا أطيل عليكم أنه طوال هذه السنوات كنت أحيانًا أزور والدي، وأتحمل ما ألقاه من أمي بعد عودتي للبيت، ومعرفتها بتلك الزيارة من شتائم، وذم متواصل ربما بالأيام، بحجة أنه لا ينفق علينا، وأنه لا يستحق أن يرانا، وحاولت أن أترك أمي وأعيش مع أبي مرتين خلال هذه السنوات، ورغم ذلك فلم يرحمني هو أيضًا، فهو كثير الظن، والظلم لي في كل شيء تقريبًا؛ لأنه هو أيضًا يرى أمي في شخصي، وكثيرًا ما أشعر أنه لا يفهمني، ولا يعرفني حق المعرفة، حتى أسلوب نقاشه فيه الكثير من التعالي، والتكبر بسبب عمله مهندسًا، وافتخاره دائمًا بذلك، فلا يعطيني أي فرصة للحوار، أو توضيح ما أريد إيصاله له، وكل هذه المقدمة كانت مقدمة توضيحية هامة لأسئلتي القادمة، رغم أنها نقطة في بحر، وغيض من فيض، فالمشكلة الآن أنني تجنبت زيارة والدي حتى أحافظ على ما تبقى من نفسيتي، وصحتي المدمرة بسببه، وبسبب أمي، وأنا الآن أعيش مع أمي، ولكن في غرفتي بشكل شبه منعزل عن البيت، وعنها؛ حتى أتجنب كلامها الذي يستفزني، ويهدم في نفسيتي أكثر مما يبني، وبسبب بلوغها سن المعاش، وبلوغ أبي أيضًا، توقفت النفقة التي كانت تأخذها من خلال المحكمة، وطلبت مني أن أقوم بعمل توكيل عام للقضايا لأنني بلغت السن القانوني؛ لترفع قضية نفقة جديدة على والدي، حتى تستطيع الإنفاق على البيت، ولكن منذ شهر تقريبًا بدأ أبي يتردد على المسجد الذي أصلي فيه، وطلب مني أن آتيه في البيت حتى يقوم بحل كل هذه المشاكل، وأنه سوف يقوم بوضع مبلغ كبير في البنك باسمي وديعة، بحيث يكون لي دخل ثابت من هذه الوديعة شهريًا، وأنا أعرف أن فوائد الودائع البنكية حرام، وتعد من الربا، وفي ذات الوقت أبلغني أن أمي قامت برفع قضية حبس عليه باسمي حتى يقوم بدفع النفقة، وأنا الآن في حيرة كبيرة من أمري لثلاثة أشياء:
أولًا: أبي بعيد جدًّا عن الدين، ولن يقتنع إذا قلت له: إن فوائد الوديعة من الربا، وأنها حرام، وحتى وإن اقتنع فإنه قد يبخل بعد ذلك أن يعطيني هذه الأموال لأنفق بها على نفسي.
ثانيًا: لا أدرى هل عليّ وزر في توكيل القضايا الذي كتبته لأمي، وللمحامي، عندما تقوم برفع قضية حبس على أبي؟ خصوصًا أن حالته المادية - حسب ما يقول - أصبحت سيئة بعد المعاش، وأن المبلغ الذي سيضعه في البنك باسمي، واسم أختي وديعة سيكون مبلغ بيع إحدى شققه التي يملكها.
ثالثًا وأخيرًا: أبي بعد الانفصال تزوج من سيدة فاضلة- أحسبها كذلك، ولا أزكي على الله أحدًا- وقام بإنجاب طفل صغير يبلغ الآن 10 سنوات، فهل ثمن بيع إحدى شققه التي يملكها يعد ميراثًا، أي أن لأخي نصيب كنصيبي، ولأختي نصف نصيبينا أم لا؟
وأخيرًا: أستحلفكم جميعًا بالله كشيوخ أن تسلطوا الضوء أكثر من ذلك على القضية شبه المنسية، وهي عقوق الوالدين للأبناء؛ لأنني ذقت الأمرين، وحتى الآن لا زلت أذوق بسببهما، ففساد، وضياع أغلب جيلنا من الشباب اليوم - بكل أسف - ناتج عن الجيل الذي قبله، فكيف يستقيم الظل والعود أعوج!
- بارك الله فيكم، وجزاكم الله كل خير - وأعتذر عن الإطالة.