السؤال
هناك جمعية في تونس واسمها: تعاونية الطب المدرسي والجامعي. وتتمثل مهمتها في علاج أي تلميذ يتعرض إلى حادث داخلي، وذلك بموجب اتفاقية بينها وبين وزارة التعليم من جهة، وبينها وبين وزارة الصحة من جهة ثانية؛ بحيث تقوم الجمعية بأخذ مبلغ بسيط من وصل ترسيم كل تلميذ داخل المعاهد، وفي صورة حصول حادث لأحد التلاميذ تقوم هذه التعاونية بمداواته داخل المستشفيات العمومية والخاصة بموجب الاتفاقية كما تقوم هذه التعاونية بزيارات تحسيسية داخل المعاهد، وكذلك متابعة التلاميذ المصابين بأمراض معدية أو مزمنة.
فهل هذا يعتبر من التأمين المحرم؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أن التأمين منه ما هو محرم، ولا يجوز الاشتراك فيه اختيارا، وهو التأمين التجاري القائم على الغرر والمقامرة والربا، ومنه ما هو مباح، ولا حرج في الاشتراك فيه، وهو التأمين التعاوني التكافلي، القائم على التعاون والتبرع.
وأما عن كيفية التمييز بين هذين النوعين من التأمين، فيوضحه كلام الدكتور يوسف الشبيلي في جوابه حين سئل عن الفرق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني فقال: عقد التأمين التجاري قائم على المعاوضة، حيث تلتزم شركة التأمين بتعويض المؤمن لهم في مقابل استحقاقها لأقساط التأمين، فإن كان هناك فائض فهو لها، وإن كان هناك عجز فهو عليها، فالعقد دائر بين الغنم والغرم، وهذا هو حقيقة المقامرة، بينما دور شركة التأمين التعاوني يقتصر على إدارة التأمين، فهي تأخذ الأقساط من المؤمن لهم ولا تتملكها، بل تضعها في حسابات منفصلة عن مركزها المالي، فإن حصل فائض فهو لهم، يمكن أن تخفض به أقساط التأمين اللاحقة، ويمكن أن يجعل في حسابات احتياطية لأعمال التأمين المستقبلية، وإن حصل عجز فتخفض التعويضات بمقدار العجز، وتأخذ الشركة أجراً مقابل إدارتها لعمليات التأمين، كما تستحق حصة من الأرباح الناتجة من استثمار الأموال المجمعة بصفتها مضارباً. ولأجل ما سبق نجد البون شاسعاً بين النتائج المحققة من التأمين التعاوني وآثاره على الفرد والمجتمع مقارنة بالتأمين التجاري، فالسمة العامة في التأمين التجاري أن تكون أقساط التأمين مرتفعة لا يتحملها أوساط الناس فضلاً عن ذوي الدخل المحدود، (في الولايات المتحدة مثلاً نسبة من يتمكنون من دفع أقساط التأمين الطبي لشركات التأمين التجاري لا تتجاوز 35% من عدد السكان)، والسبب في ذلك أن نظام التأمين التجاري قائم على استرباح الشركة من أقساط التأمين ذاتها، فكلما ارتفعت هذه الأقساط وانخفضت التعويضات التي تدفعها الشركة للمؤمن لهم كلما زاد فائض التأمين، وبالتالي تزداد ربحية الشركة؛ لأن هذا الفائض سيكون من نصيب الشركة (المساهمين) وليس المؤمن لهم، وفي المقابل فإن فائض التأمين في شركات التأمين التعاوني من نصيب المؤمن لهم، فكلما زاد هذا الفائض ازدادت احتياطيات التأمين، وبالتالي انخفضت أقساط التأمين للسنوات القادمة، أي أن كفاءة شركة التأمين التعاوني في إدارتها للتأمين يسهم في تخفيض الأقساط، بينما الأمر بالعكس في شركات التأمين التجاري .اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: وقد سبق بيان أنّ وجه كون التأمين الصحّي من الميسر أنّ الشّخص يدفع مبلغا من المال تمتلكه شركة التأمين، فإذا مرض أو حصل له حادث استفاد وإلاّ ذهب ماله، ثمّ قد تكون الاستفادة بمثل أو أقلّ أو أكثر مما دفع. وفي هذا من الجهالة والغرر، وأكل المال بغير حقّ، أو الخسارة لأحد الطّرفين ما لا يخفى. وليت بعض المسلمين أو العقلاء يقومون بإنشاء مؤسسات تأمين تعاونية تقرّها الشّريعة الإسلامية، تكون فكرتها الأساسية أن يتضامن دافعو الأموال لصندوق معيّن ( لا يمتلكه طرف آخر ) أنّه إذا حصل لأحدهم مرض أو حادث أنْ يعوّض برضاهم، ثمّ لا بأس أن يُعطى القائمون على هذا الصّندوق من الموظّفين رواتب، ولا بأس أن تستثمر الأموال شركة أخرى بنسبة معينة من الأرباح .اهـ.
ولمزيد الفائدة حول كيفية التمييز بين نوعي التأمين، وضابط كل منهما انظر الفتويين: 107270، 7394.
فيمكن تصنيف عمل هذه الجمعية هل هو من قبيل التأمين التجاري أو التعاوني، بالنظر في الضوابط المذكورة وتطبيقيها على طبيعة نظام الجمعية، والمعلومات التي ذكرتها في السؤال ليست كافية لنحكم على عمل هذه الجمعية هل من قبيل التأمين التجاري أو التعاوني.
والله أعلم.