السؤال
يوجد لدي سوبرماركت في الناصرة (فلسطين المحتلة) أحيانا يأتيني زبون ومعه شيك متأخر مثلا 4000 , يأتي ليأخذ بضاعة ب3000 وأرجع له 1000 ؟
أنا أعتبر أن الشيك هو رقم بدون النظر للتاريخ، وأخصم ثمن البضاعة وأعطيه الباقي.
بارك الله فيكم وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبما أن هذه المعاملة تشمل: بيعا وصرفا، فيحسن بنا أن نعرض أولا لأقوال أهل العلم في ذلك؛ حيث إنهم قد اختلفوا في صحة الجمع بين البيع والصرف.
جاء في بدائع الصنائع من كتب الحنفية: " ... وكذا إذا باع ذهبا وثوبا بذهب، والذهب أكثر حتى جاز البيع أنه في حصة الذهب يكون صرفا، وفي حصة الثوب يكون بيعا مطلقا, وكذا إذا باع سيفا محلى بالفضة مفردة, أو منطقة مفضضة, أو لجاما, أو سرجا, أو سكينا مفضضة, أو جارية على عنقها طوق فضة، بفضة مفردة، والفضة المفردة أكثر حتى جاز البيع كان بحصة الفضة صرفا . ويراعى فيه شرائط الصرف، وبحصة الزيادة التي هي من خلاف جنسها بيعا مطلقا فلا يشترط له ما يشترط للصرف, فإن وجد التقابض وهو القبض من الجانبين قبل التفرق بالأبدان تم الصرف والبيع جميعا ..."
وفي المدونة : " ... وقد جوزه مالك في الذي يأخذ عشرة دراهم بدينار وسلعة مع الدراهم يدا بيد. قال : ألم أقل لك، إنما ذلك في الشيء اليسير في العشرة الدراهم ونحوها يجيزه, فإذا كان كثيرا واجتمع الصرف والبيع لم يجز ذلك.
أي أن قلة ما اجتمعا فيه تفيد أن اجتماعهما ليس مقصودا.
وفي المهذب للشيرازي: وإن جمع بين بيع وإجارة أو بين بيع وصرف, أو بين عبدين بشرط الخيار في أحدهما دون الآخر بعوض واحد, ففيه قولان ( أحدهما ) أنه يبطل العقدان؛ لأن أحكام العقدين متضادة, وليس أحدهما بأولى من الآخر فبطل الجميع ( والثاني ) أنه يصح العقدان وينقسم العوض عليهما, على قدر قيمتها؛ لأنه ليس فيه أكثر من اختلاف حكم العقدين, وهذا لا يمنع صحة العقد, كما لو جمع في البيع بين ما فيه شفعة وبين ما لا شفعة فيه, وإن جمع بين البيع والنكاح بعوض واحد فالنكاح لا يبطل؛ لأنه لا يبطل بفساد العوض, وفي البيع قولان, ووجههما ما ذكرناه.
وفي المقنع مع الشرح الكبير من كتب الحنابلة: (وإن جمع بين بيع وإجارة، أو بيع وصرف صح فيهما ويقسط العوض عليهما في أحد الوجهين) إذا جمع بين عقدين مختلفي الحد كالبيع والإجارة، والبيع والصرف بعوض واحد صح فيهما؛ لأن اختلاف حكم العقدين لا يمنع الصحة، كما لو جمع ما فيه شفعة وما لا شفعة فيه، وكذلك إن باع سيفا محلى بذهب وفضة، وفيه وجه آخر أنه لا يصح لأن حكمهما مختلف وليس أحدهما أولى من الآخر فبطل فيهما. فإن البيع فيه خيار ولا يشترط فيه التقابض في المجلس، ولا ينفسخ العقد بتلف المبيع، والصرف يشترط له التقابض، وينفسخ العقد بتلف العين.
وقال ابن قدامة في المغني: وقد نص أحمد على الجمع بين بيع وصرف, أنه يصح.
وتراجع الفتوى رقم: 110524 فقد رجحنا فيها جواز اجتماع البيع والصرف.
وإذا تقرر ذلك فتكون هذه المعاملة جائزة إذا كان الشيك المذكور شيكا مصرفيا حالا (أي مُصدره هو المصرف أو البنك وليس شخصا)، أو شيكا مصدّقا من البنك، ولم تفترقا وبينكما شيء إذ ليس هنالك ما يمنعها، والأصل في المعاملات الحل، واستلام الشيك في هذه الحالة يعتبر قبضا معتبرا، وعليه فلا حرج في خصم ثمن البضاعة وإعطائه الباقي. وانظر الفتوى رقم: 98172
أما إن كانت الشيكات غير مصدقة، أو كانت مؤجلة ولو ليوم واحد، فلا يجوز ذلك؛ لأنه بيع نقد بدين نقدي فلا يتحقق التقابض. فعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء، يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد. رواه مسلم. ومعلوم أن الأوراق النقدية الآن تأخذ حكم الذهب والفضة.
وجاء في القواعد لابن رجب: المسألة الثانية: بيع الصكاك قبل قبضها وهي الديون الثابتة على الناس، وتسمى صكاكاً لأنها تكتب في صكاك وهي ما يكتب فيه من الرَّق ونحوه فيباع ما في الصك، فإن كان الدين نقداً وبيع بنقد لم يجز بلا خلاف؛ لأنه صرف بنسيئة.اهـ.
ولمزيد الفائدة عن أحكام التعامل بالشيكات راجع الفتوى رقم: 77331.
والله أعلم.