الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحاسد والعائن.. عوامل الاشتراك والافتراق

السؤال

هل يمكن أن يقع الحسد دون رؤية الحاسد للمحسود؛ بحيث إذا تحدث شخصان عبر الإنترنت من خلف الشاشة، ودون أن يرى أحدهما الآخر. هل يمكن أن يقع الحسد بينهما إذا تمنى أحدهما زوال النعمة عن الشخص الآخر أم يشترط أن تتم الرؤية بالعين ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد فرق بعض أهل العلم بين الحسد والعين، فذكروا أن الحسد قد يحصل عن بعد، وأما العين فلا تحصل إلا عند رؤية العائن لما يصيبه بالعين.

قال ابن الجوزي في «كشف المشكل»: العين: ‌نظر ‌باستحسان يشوبه شيء من ‌الحسد، ويكون الناظر خبيث الطبع كذوات السموم فيؤثر في المنظور إليه، ولولا هذا لكان كل عاشق يصيب معشوقه بالعين. اهـ.

وتبعه الحافظ ابن حجر فقال في فتح الباري: والعين نظر باستحسان، مشوب بحسد من خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر. انتهى.
وقال ابن القيم –رحمه الله – في بدائع الفوائد: والعائن، والحاسد يشتركان في شيء ويفترقان في شيء، فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه، وتتوجه نحو من يريد أذاه. فالعائن تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته، والحاسد يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضا. انتهى.

وجاء في تكملة تفسير أضواء البيان: ويشتركان - الحسد والعين - في الأثر، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق. فالحاسد: قد يحسد ما لم يره، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه، ومصدره تحرق القلب، واستكثار النعمة على المحسود، وبتمني زوالها عنه، أو عدم حصولها له، وهو غاية في حطة النفس. والعائن: لا يعين إلا ما يراه، والموجود بالفعل، ومصدره انقداح نظرة العين، وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده، وماله. انتهى.

وجاء في التفسير الكبير للرازي: لا يمتنع أن يكون بعض النفوس بحيث يؤثر في تغيير بدن حيوان آخر، ‌بشرط ‌أن ‌يراه ويتعجب منه. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: والحاسد، والعائن يشتركان في أن كلاً منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من تريد أذاه، إلا أن العائن تتكيف نفسه عند مقابلة العين والمعاينة، والحاسد يحصل حسده في الغيبة والحضور. انتهى.

والظاهر أن هذا التفريق يعتمد على الغالب، وإلا فالعين يمكن أن تصيب من غير رؤية مباشرة، وقد قال ابن القيم نفسه في زاد المعاد: نفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى، فيوصف له الشيء، فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره. وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني