الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى حديث: الملك في قريش والقضاء في الأنصار ... الحديث

السؤال

س: ‏الملك في قريش،‏ ‏والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، ‏والأمانة في الأزد ـ ‏يعني اليمن ـ فهل يمكن تفسير هذا الحديث بأنه تقسيم السلطة التنفيذية والقضائية بين المسلمين بحسب أعراقهم؟ أم يؤخذ على ظاهره أي أنه ثابت إلى قيام الساعة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث رواه أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال الأرنؤوط: واختلف في رفعه ووقفه والموقوف أصح ـ وصححه الألباني مرفوعا.

وأما كون الملك في قريش: فهذا لكونهم الأئمة، كما صحت بذلك الأحاديث في الأمر بتقديمهم وعدم تقدمهم، وأما ما عدا ذلك فليس كما ذكرت من كونه تقسيما للسلطة التنفيذية أو كون ذلك مستمرا إلى يوم القيامة، بل الصحيح في معنى كون القضاء في الأنصار: أن سيد القضاة وهو معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ منهم، وكذا في الأذان، فإن سيد المؤذنين وهو بلال ـ رضي الله عنه ـ منهم، ولذا استقضى الصحابة والخلفاء غير الأنصار كثيرا، ولم يشتهر بالتأذين من الحبشة غير بلال، وأما كون الأمانة في اليمن: فلأنهم أرق قلوبا وألين أفئدة، فهذا من مدحهم والثناء عليهم، لا أن الأمانة منحصرة فيهم، قال ابن رجب في شرح البخاري: والمراد بهذا: أن سيد المؤذنين كان من الحبشة، لا أنه يتوارثونه بعد بلال، فإنه لا يعرف بعده من الحبشة مؤذن. انتهى.

وقال القاري مبينا معنى الحديث: الْمُلْكُ: بِالضَّمِّ أَيِ الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ أَيْ: غَالِبًا، أَوْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْمُطَابِقُ لِبَقِيَّةِ الْقَرَائِنِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ فِي الْأَنْصَارِ أَيِ: الْحُكْمُ الْجُزْئِيُّ قَالَهُ تَطَيُّبًا لِقُلُوبِهِمْ، لِأَنَّهُمْ آوَوْا وَنَصَرُوا، وَبِهِمْ قَامَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَفِي بَلَدِهِمْ تَمَّ أَمْرُهُ وَاسْتَقَامَ، وَبُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ وَجُمِعَتِ الْجَمَاعَاتُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ فِي الْأَزْهَارِ: قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ النِّقَابَةُ، لِأَنَّ النُّقَبَاءَ كَانُوا مِنْهُمْ، وَقِيلَ: الْقَضَاءُ الْجُزْئِيُّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ ـ وَقِيلَ: الْقَضَاءُ الْمَعْرُوفُ لِبَعْثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا قَاضِيًا إِلَى الْيَمَنِ انْتَهَى، وَالْأَخِيرُ هُوَ الْأَظْهَرُ، لِقَوْلِهِ: وَالْأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ، أَيْ: لِأَنَّ رَئِيسَ مُؤَذِّنِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِلَالًا وَهُوَ حَبَشِيٌّ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْأَزْدِ أَيْ: أَزْدُ شَنُوءَةَ وَهُمْ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَلَا يُنَافِي قَوْلَ بَعْضِ الرُّوَاةِ ـ يَعْنِي الْيَمَنَ ـ لَكِنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهِ إِرَادَةُ عُمُومِ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَإِنَّهُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَهْلُ أَمْنٍ وَإِيمَانٍ. انتهى.

هذا، ومدار الولايات في الشرع على القوة والأمانة لا على الأعراق والأنساب، فتوكل الولايات إلى الأقوم بها فالأقوم، ويولى من تحصل به المصلحة في كل باب، فيختار من ذلك الأمثل فالأمثل، ولمزيد التفصيل في مسألة مدار الولايات في الشرع انظر الفتوى رقم: 180199.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني