السؤال
ما حكم الصدقة، وإعطاء المال لمن تعلم أنه سيستخدمه في حلال وفي حرام؟ وهل يختلف الحكم إذا كان للأهل والوالدين؟
ما حكم الصدقة، وإعطاء المال لمن تعلم أنه سيستخدمه في حلال وفي حرام؟ وهل يختلف الحكم إذا كان للأهل والوالدين؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصدقة على الأقربين مرغب فيها في الأصل.
فقد قال ابن العربي رحمه الله تعالى في أحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ {البقرة:215}. قال: وصدقة التطوع في الأقربين أفضل منها في غيرهم. انتهى.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع وهو حنفي، بعد أن ذكر أن الوالدين والزوجة والأولاد الذين تجب نفقتهم لا يجوز دفع الزكاة إليهم: وأما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء، والدفع إليهم أولى. انتهى.
وأما الزكاة الواجبة فيمكن دفعها للأقربين الفقراء، ولا يجوز دفعها للوالدين باتفاق أهل العلم؛ لأنهم يجب الإنفاق عليهم .
قال في المغني وهو حنبلي: ولا يعطي من الصدقة المفروضة للوالدين. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم. انتهى.
والأولى بالمزكي والمتصدق أن يتحرى أفضل المصارف لصدقته، ويدفعها إلى من تزكو به ويعظم أجره بدفعها إليه من أهل التقى والعلم، وقد عد أبو حامد في الإحياء ستا من الصفات التي تجعل الدفع إلى المتصف بها أعظم أجراً وأكبر مثوبة، وقد بيناها بالفتوى رقم: 134941
وإذا كان الشخص من العصاة الفساق الذين ينفقون بعض أموالهم في الحرام، وكان فسقه لا يخرجه من الملة، فيجوز إعطاء الزكاة له إذا كان فقيراً بشرط ألا يستعين بالزكاة على فسقه، فإن علم أنه سيصرفها في هذا، فلا يجوز أن تعطى له، لما فيه من التعاون على الإثم، والله جل وعلا يقول: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.
جاء في أسنى المطالب: يحرم دفع صدقة التطوع إلى العاصي بسفره أو إقامته، إذا كان فيه إعانة له على ذلك، وكذا يحرم دفعها إلى الفاسق الذي يستعين بها على المعصية وإن كان عاجزاً عن الكسب. انتهى.
وفي فتوحات الوهاب لسليمان الجمل الشافعي متحدثاً عن الزكاة: ويجوز دفعها لفاسق؛ إلا إن علم أنه يستعين بها على معصية فيحرم أي وإن أجزأ كما علم مما تقرر. انتهى.
ثم إنه إذا كان الوالدان محتاجين، فيجب توفير الحاجيات لهما من مطعم ومشرب وملبس، ولا يمكنان من فلوس يخشى استخدامها في الحرام، ومثلهما الأقارب المحتاجون ينبغي توفير الحاجيات لهم، ولا ينبغي تركهم ضائعين محتاجين، ولا يمكنون من فلوس يستخدمونها في الحرام، فإن المحتاج يشرع إطعامه من دون إعانة له على المعصية ولو كان في تصرفاته بعض المعاصي، ولكن المتقين أولى منه؛ فعن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والدارمي.
قال صاحب "عون المعبود": قوله "لا يأكل طعامك إلا تقي" أي متورع. قال الخطابي: إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة، وذلك أن الله سبحانه قال: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (الإنسان:8). ومعلوم أن أسراهم أي الصحابة عند نزول الآية كانوا كفارا غير مؤمنين ولا أتقياء، وإنما حذر عليه السلام من صحبة من ليس بتقي، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، فإن المطاعم توقع الألفة والمودة في القلوب. اهـ.
وراجع الفتوى رقم : 132652والفتوى رقم :112270
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني