السؤال
كنت مسجونًا, ونذرت لله أن أتصدق بخمس ما أملك من أموال إن فك الله أسري, والحمد لله خرجت، وكنت قد تركت لزوجتي تحت تصرفها كل ما أملك - 15ألف دينار - وعند خروجي وجدت أن والدي باع سيارة لي - ولم يعلمني بذلك إلى أن عدت إلى المنزل - بمبلغ 20 ألف دينار تسلمتها نقدًا، والسؤال: هل أخرج الصدقة من أحد المبلغين أم من كليهما؟
بارك الله فيكم, وجزاكم كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تلفظت بالنذر فهو نذر منعقد فيلزمك الوفاء به بعدما وقع ما علقته عليه، وهو الخروج من السجن, قال النووي - رحمه الله -: نَذْرُ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ: أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً فِي مُقَابِلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ بَلِيَّةٍ, كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي, أَوْ رَزَقَنِي وَلَدًا, أَوْ نَجَّانَا مِنْ الْغَرَقِ أَوْ مِنْ الْعَدُوِّ أَوْ مِنْ الظَّالِمِ, أَوْ أَغَاثَنَا عِنْدَ الْقَحْطِ, وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ, فَإِذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ, وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يطيع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ. انتهى.
أما أي المبلغين يجب عليك إخراج خمسه: فالظاهر أن ذلك راجع إلى نيتك وقصدك, فإن كنت تقصد بقولك ما أملك من أموال: النقود التي تملكها وقت النذر فيجب إخراج خمس ما تبقى من الخمسة عشر ألفًا؛ لأنها هي الموجودة آنذاك فيما يبدو، وإن كنت تقصد بالأموال معناها الأعم الذي تدخل فيه السيارة وغيرها: فيجب إخراج خمس جميع ما تملك وقت النذر بما في ذلك ثمن السيارة التي باعها الوالد دون علمك؛ لأنها كانت موجودة وقت النذر, إلا أن ينقص المال فيلزمك خمس الموجود, فإن نية الناذر هي التي تحدد قصده ومراده من نذره، وكلام الفقهاء يدل على أن المعتبر في النذر واليمين هو وقت إنشائهما لا وقت الحنث ففي تحفة المحتاج في شرح المنهاج في الفقه الشافعي: بِخِلَافِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي إلَّا إنْ احْتَجْته فَلَا يَلْزَمُهُ مَا دَامَ حَيًّا لِتَوَقُّعِ حَاجَتِهِ, فَإِذَا مَاتَ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ وَقْتَ النَّذْرِ إلَّا إنْ أَرَادَ كُلَّ مَا يَكُونُ بِيَدِهِ إلَى الْمَوْتِ فَيَتَصَدَّقُ بِالْكُلِّ. انتهى.
وجاء في فتاوى ابن عليش في المذهب المالكي: قَالَ فِي بَابِ النَّذْرِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ: وَثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ, إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ بِمَالٍ فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ. الْخَرَشِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ هَدْيٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ قُرْبَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ ثُلُثَ مَالِهِ بَعْدَ حِسَابِ دَيْنِهِ, وَمَهْرِ زَوْجَتِهِ, سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ بَرًّا أَوْ حِنْثًا, وَالْمُعْتَبَرُ قَدْرُهُ يَوْمَ الْحَلِفِ, إلَّا أَنْ يَنْقُصَ قَبْلَ الْحِنْثِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِاتِّفَاقٍ أَوْ تَفْرِيطٍ فَالْمُعْتَبَرُ الْبَاقِي رِفْقًا به. أهــ.
والله أعلم.