السؤال
لو سمحتم أفيدوني للضرورة.
كيف نرد على من يدعي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت له صلة بالجن ويعرف منهم الأخبار والحقائق -وحاشاه صلى الله عليه وسلم-؟
لو سمحتم أفيدوني للضرورة.
كيف نرد على من يدعي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت له صلة بالجن ويعرف منهم الأخبار والحقائق -وحاشاه صلى الله عليه وسلم-؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرد على هذا يعرف بكون القرآن الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم معجز في أسلوبه، مما يدل على أنه كلام رباني ولو كان من وحي الشياطين لسهل على الشعراء محاكاته، وقد تحدى جميع العالم أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله، فعجزوا عن آخرهم مع كثرتهم وحرصهم على معاداته ومخاصمته، وما كان لهم من الفصاحة والبلاغة، فلم يبق شك في أنه كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ويضاف لذلك صدق ما أخبر به من المغيبات المستقبلية التي لم يجرب عليه أنه كذب فيها ولا مرة واحدة، بخلاف أخبار الكهان المأخوذة من الشيطان، فإنهم لا يصدقون إلا واحدا في المائة، وحسب النبي صلى الله عليه وسلم دليلا على صدقه ما جاء به من الوحي المبين الدال على كل خير في الدنيا والآخرة، وقد أيد الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأظهره وأظهر أتباعه على أهل الأرض إذ ذاك، فيمتنع أن يؤيده الله هذا التأييد وينصره وأتباعه هذا النصر وهو يكذب عليه ويبدل دينه الذي شرعه لعباده، وبهذه الحجة احتج الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى على بعض من ناظره من اليهود.
فقد قال رحمه الله: وَقَدْ جَرَتْ لِي مُنَاظَرَةٌ مَعَ أَكْبَرِ مَنْ تُشِيرُ إِلَيْهِ الْيَهُودُ بِالْعِلْمِ وَالرِّئَاسَةِ، فَقُلْتُ لَهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ: أنتم بِتَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَدْ شَتَمْتُمُ اللَّهَ أَعْظَمَ شَتِيمَةً، فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: مِثْلُكَ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ! فَقُلْتُ لَهُ: اسْمَعِ الْآنَ تَقْرِيرَهُ، إِذَا قُلْتُمْ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَلِكٌ ظَالِمٌ قَهَرَ النَّاسَ بِسَيْفِهِ، وَلَيْسَ بِرَسُولٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَقَدْ أَقَامَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يَدَّعِي أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَهُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَيَقُولُ: أَمَرَنِي اللَّهُ بِكَذَا وَنَهَانِي عَنْ كَذَا، وَأُوحِيَ إِلَيَّ كَذَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ أَبَاحَ لِي سَبْيَ ذَرَارِيِّ مَنْ كَذَّبَنِي وَخَالَفَنِي وَنِسَاءَهُمْ، وَغَنِيمَةَ أَمْوَالِهِمْ، وَقَتْلَ رِجَالِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ يَدْأَبُ فِي تَغْيِيرِ دِينِ الْأَنْبِيَاءِ وَمُعَادَاةِ أُمَمِهِمْ وَنَسْخِ شَرَائِعِهِمْ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ تَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَانَ يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ وَيُشَاهِدُهُ وَيَعْلَمُهُ، أَوْ تَقُولُوا: إِنَّهُ خَفِيَ عَنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْتُمْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ نَسَبْتُمُوهُ إِلَى أَقْبَحِ الْجَهْلِ، وَكَانَ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَإِنْ قُلْتُمْ، بَلْ كَانَ كُلُّهُ بِعِلْمِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ، فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَغْيِيرِهِ، وَالْأَخْذِ عَلَى يَدَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا، فَقَدْ نَسَبْتُمُوهُ إِلَى أَقْبَحِ الْعَجْزِ الْمُنَافِي لِلرُّبُوبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُعِزُّهُ وَيَنْصُرُهُ وَيَوَدُّهُ، وَيُعْلِيهِ وَيُعْلِي كَلِمَتَهُ، وَيُجِيبُ دُعَاءَهُ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَيُظْهِرُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ مَا يَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ، وَلَا يَقْصِدُهُ أَحَدٌ بِسُوءٍ إِلَّا ظَفَرَ بِهِ، وَلَا يَدْعُوهُ بِدَعْوَةٍ إِلَّا اسْتَجَابَهَا لَهُ، فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ وَالسَّفَهِ الَّذِي لَا يَلِيقُ نِسْبَتُهُ إِلَى آحَادِ الْعُقَلَاءِ، فَضْلًا عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَكَيْفَ وَهُوَ يَشْهَدُ لَهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى دَعْوَتِهِ وَتَأْيِيدِهِ بِكَلَامِهِ، وَهَذِهِ عِنْدَكُمْ شَهَادَةُ زُورٍ وَكَذِبٍ؟ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ، قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ هَذَا بِكَاذِبٍ مُفْتَرٍ، بَلْ هُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ مَنِ اتَّبَعَهُ أَفْلَحَ وَسَعِدَ، قُلْتُ: فَمَا لَكَ لَا تَدْخُلُ فِي دِينِهِ؟ قَالَ: إِنَّمَا بُعِثَ لِلْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَأَمَّا نَحْنُ فَعِنْدَنَا كِتَابٌ نَتَّبِعُهُ، قُلْتُ لَهُ: غُلِبْتَ كُلَّ الْغَلَبِ، فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتْبَعْهُ فَهُوَ كَافِرٌ مِنْ أَهْلِ الْجَحِيمِ، وَقَاتَلَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَإِذَا صَحَّتْ رِسَالَتُهُ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ، فَأَمْسَكَ وَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني