السؤال
إخواني أنا من الجزائر، خبير اقتصادي وسياسي، اختصاص العلاقات الدولية والنزاعات الإقليمية، قررت تقديم برنامج إصلاحي، ومنهاج اقتصادي جديد يرقي بنا إن شاء الله.
سؤالي: لما راسلت الوزير الأول ثلاث مرات لم يجبني لحد الآن، ولكن أريد استعمال وسائل أخرى كالصحافة مثلا حتى يصل برنامجي إلى الشعب. فهل يجوز هذا الأمر؟ علمًا بأننا نعيش في الجزائر وضعًا من الظلم والفساد والفقر، رغم أن بلدنا ثري؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في نشر ما تراه من الأفكار النافعة المفيدة التي لا تناقض الشريعة في هذه المجالات عبر الوسائل الإعلامية إن كان هذا لا يعرضك للأذى أو الضرر، لعل الناس يطلعون عليها وينتفعون بها، ولعل في ذلك إعانة ونفعًا لهم ودلالة على ما ينفعهم، وتذكر الحديث: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم. والحديث: من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه. رواه ابن ماجه وغيره وحسنه الألباني.
واعلم أن من الأشياء الضرورية المفيدة استخدام الخبراء قدراتهم في السعي في عمارة الأرض وما فيها من موارد بشرية ومادية، باستغلالها فيما تيسر من الأنشطة الاقتصادية، والاستثمارات الزراعية والصناعية وغيرها من أنواع الإنتاج، تحقيقًا لقوله تعالى: اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ. {هود:61}، قال ابن كثير رحمه الله: أي جعلكم عُمّاراً تعمرونها وتستغلونها. انتهى.
ومن المهم كذلك حض الناس على التكافل الاجتماعي فيما بينهم، فلو أن الخبراء والأثرياء علموا الشباب المهن، ووفروا لهم الآلات وأماكن العمل لساعد هذا كثيراً في حل مشكلة البطالة والفقر، ولا سيما إذا علمنا ما يتوفر في البلاد الإسلامية من الطاقة البشرية والأراضي الصالحة للزراعة والمعادن الهامة التي يمكن أن يوفر بها المسلمون الأغذية والصناعات للعالم لو حصل بينهم التكافل الاجتماعي، واستثمر أصحاب رؤوس الأموال أموالهم على الوجه الحسن.
ومما جاء في الشريعة من الاهتمام بهذا الأمر ما نص عليه أهل العلم من أن المحترف الذي تنقصه آلات حرفته تشترى له الآلات من أموال الزكاة أو من بيت المال.
ومنها ما روى أبو داود في قصة الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فأمره بالتكسب ونهاه عن السؤال وعلمه مهنة الاحتطاب، وتابع أمره حتى نجح في كسبه، فقد روى أبو داود: أن رُجلاً من الأنصار أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يسأله، فقال: أمَا في بيتك شيء؟ قال: بَلَى، حِلْس نَلْبَسُ بعضَه، ونَبْسُطُ بعضَهُ، وقَعْب نَشْرَبُ فيه من الماء، قال: ائتني بهما فأتاه بهما، فأخذها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذها بدرهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ يزيد على درهم؟ -مرتين أو ثلاثًا - قال رجل: أنا آخذهما بدرهَمْينِ، فأعطاهما إياه، فأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاريَّ، وقال: اشَترِ بأحدهما طعامًا، فانبِذْه إلى أهلك، واشتر بالآخر قَدُّوما فائْتِني به، فأتاه به، فشَدَّ فيه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عودًا بيده، ثم قال: اذَهبْ فاحتَطِبْ وَبِعْ، ولا أرَيَنَّكَ خَمْسة عشر يومًا، ففعل، فجاء وقد أصاب عشرةَ دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: هذا خْير لك من أن تجيء المسألة نُكْتَة في وجهك يومَ القيامة، إن المسألة لا تَصْلُحُ إلا لثلاث: لذي فقر مُدْقِع، أو لذي غُرْم مُفْظِع، أو لذي دم مُوِجع. اهـ.
والله أعلم.