السؤال
إمام بعد ما قرأ السورة في الركعة الأولى قال "السلام عليكم" عن يمينه و عن شماله، ثم التفت إلى المأمومين و قال إني شككت في وضوئي، ثم قدم شخصا آخر ليعوضه.
هذا الأخير أتى بالإقامة للصلاة من جديد و كبر تكبيرة الإحرام و أعاد الصلاة من جديد.
هل ما فعله الإمام الأول وما فعله الإمام الثاني صحيح أم غير ذلك؟
و ماذا يقول المذهب المالكي في هذه الحالة؟
جزاكم الله خيرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شك هذا الإمام في الوضوء يحتمل أن يكون في أصل وضوئه بأن كان محدثا ثم شك هل توضأ أم لا، وفي هذه الحالة فهو باق على الأصل الذي هو الحدث هنا، ويحتمل أن يكون شك في حصول الحدث بعد الطهارة المتيقنة وهذا ناقض للوضوء عند المالكية وغير ناقض له عند الجمهور، وانظر الفتوى رقم : 157009، وعليه فإذا كان الإمام شك هل توضأ بعد الحدث أم لا فهو باق على الأصل وهوعدم الوضوء، وما قام به من طلب الاستخلاف حينئذ يعتبرصحيحا عند المالكية وغيرهم، وإن كان شكه في حصول الحدث بعد الوضوء المتيقن فكان عليه أن يستمر في صلاته ولا يلتفت إلى الشك هنا لأنه غير معتبر عند الجمهور كما تقدم، أما على المذهب المالكي الذي يفترض أن الإمام ومن معه من أتباعه والسؤال عن حكم المسألة فيه، فإن الشك في الحدث ناقض للوضوء إذا كان شكا غير مستنكح أي غير ملازم، لكنهم نصوا على أن من شك في الحدث أثناء الصلاة وجب عليه التمادي فيها، فإن تبين له أثناءها أو بعدها أنه على طهر صحت صلاته لبقاء الطهارة في نفس الأمر، وإن استمر على شكه فعليه الإعادة وحده دون المأمومين إن كان إماما لأنه هنا بمثابة الناسي، وعليه فإن الاستخلاف هنا كان في غير محله، وأما إن كان الشك في أصل الوضوء فاستخلافه في محله لأنه شك في حصول الطهارة بعد تحقق الحدث فوجب القطع، وندب له الاستخلاف.
ففي مختصر خليل في الفقه المالكي:ندِبَ لِإِمَامٍ خَشِيَ تَلَفَ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ، أو منع الإمامة لعجز، أَوْ الصَّلَاةَ بِرُعَافٍ أَوْ سَبْقِ حَدَثٍ أَوْ ذكره. استخلاف وإن بركوع أو سجود . انتهى.
وفي الشرح الكبير على مختصر خليل للشيخ أحمد الدردير ممزوجا بنص خليل :وَلَوْ شَكَّ) أَيْ طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ (فِي) أَثْنَاءِ (صَلَاتِهِ) بَعْدَ أَنْ دَخَلَهَا جَازِمًا بِالطُّهْرِ هَلْ نُقِضَ قَبْلَ دُخُولِهَا أَوْ هَلْ نُقِضَ بَعْدُ أَوْ لَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّمَادِي فِيهِمَا (ثُمَّ) إذَا (بَانَ) أَيْ ظَهَرَ لَهُ (الطُّهْرُ) فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا (لَمْ يُعِدْ) صَلَاتَهُ لِبَقَاءِ الطَّهَارَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ أَعَادَهَا لِنَقْضِ وُضُوئِهِ وَلَا يُعِيدُ مَأْمُومُهُ كَالنَّاسِي، وَلَوْ شَكَّ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ دُخُولُهَا لِانْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الطُّهْرُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ إنْ طَرَأَ فِيهَا لِأَنَّ دُخُولَهَا جَازِمًا بِالطُّهْرِ قَوَّى جَانِبَ الصَّلَاةِ ، وَلَوْ شَكَّ فِيهَا هَلْ تَوَضَّأَ أَوْ لَا لَوَجَبَ الْقَطْعُ، وَاسْتَخْلَفَ إنْ كَانَ إمَامًا.
وفي حاشية الدسوقي: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ: وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْ شَكَّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِيهَا بَعْدَ دُخُولِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَمَنْ شَكَّ خَارِجَهَا طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ. انتهى.
هذاعن حكم ما فعله الإمام الأول، أما ما قام به الإمام المستخلف فعلى احتمال استحباب الاستخلاف فما قام به من الإحرام واستئناف الصلاة من جديد كان غير صواب، وكان عليه أن يبدأ بالركوع هنا حيث انتهى الإمام قبله، لأنه صار بمنزلته، ولا يقطع الصلاة لغير مسوغ شرعي لأن ذلك غير جائز باتفاق الفقهاء كما سبق بيانه في الفتوى رقم : 50969، وحيث إنه استأنف هو والمأمومون الصلاة من جديد كما يبدو فقد صحت صلاتهم ، لكنهم خالفوا حين قطعوا الصلاة من غير عذر مسوغ لقطعها.
والله أعلم