السؤال
جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم سؤالي: يكثر في الصلاة أن أقرأ التشهد أو الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو آتي بالفاتحة أو بالركوع وأفرغ من ذلك كله وأنا غائبة الوعي أسرح وأفكر ثم أنتبه إلى أنني سجدت أو قمت من جلسة التشهد أو وصلت إلى آخر التحيات أو آخر الفاتحة فتصيبني الحيرة، فهل يعد هذا من قبيل السهو فأبني على اليقين وهو أنني أتيت به لكن دون وعي فأسجد له؟ أم أعتبر قد أتيت بالركن أو الواجب ولا شيء علي؟ أم أبني على أنني لم آت بذلك وأعيد الفاتحة أو التشهد أو أعود للركوع بعد أن سجدت؟ يكثر علي هذا، ففي صلاة العشاء قبل أيام قرأت التشهد الأول دون تركيز ثم قمت فشككت هل قرأته أم لا؟ ثم ترجح لدي أني قرأته بلا تركيز وبنيت على هذا وسجدت للسهو بعد السلام، فهل فعلي صحيح أو تلزمني إعادة تلك الصلاة؟ وهل أأثم بإعراضي عن هذا لكثرته؟ أم لا شيء علي إن تركته ولم ألتفت إليه مع أنني أكون متيقنة أحيانا بأنني قد فرغت من الركن أو الواجب دون أن أعيه؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت ممن يكثر عليهم السرحان في الصلاة بحيث تعملين العمل ثم تشكين في الإتيان به ويكثر ذلك بحيث يصير كالوسواس فأنت ممن تكثر عليهم الشكوك، ومن كثر ذلك عليه صار ممن استنكحه الشك، فلا يطالب بإعادة ما يشك في الإتيان به ولاسجود عليه، ولا يأثم بالإعراض عن ذلك، بل هو مطلوب منه، ومن يشك أحيانا سجد للسهو بعد الإتيان بما شك في تركه من الصلاة، وانظري الفتوى رقم: 58257.
ومن الفقهاء من يرى استحباب سجود السهو بعد السلام في حق من استنكحه السهو ترغيماً للشيطان، وهو رأي المالكية، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 63548.
ثم إن مجرد السرحان في الصلاة مع الإتيان بالأركان والواجبات ليس من مبطلات الصلاة على الصحيح، ولا يترتب عليه سجود سهو أيضا إذا لم يعمل ما يوجبه أو يسن له، وقد سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 6598، ما يترتب على السرحان في الصلاة، وفي الفتوى رقم: 9525، ما يعين على الخشوع فيها.
ولمزيد الفائدة نذكرهنا كلام أهل العلم عن حكم صلاة من يسرح أثناءها وعلاج ذلك، ففي فتاوى اللجنة الدائمة جوابا لسؤال جاء فيه: أثناء أدائي للصلوات الخمس في أي فرض منها عندما أكبر تكبيرة الإحرام، وأشرع في قراءة الفاتحة دائما ما أسهو ويسرح بالي خارج المسجد حتى انتهائي من الصلاة.. فأجابت: صلاتك صحيحة إذا كنت قد أديت فرائض الصلاة وواجباتها، ونصيحتنا إليك أن تدافع الشيطان عن نفسك ما استطعت، وبكل قوة، حتى تذهب عنك هذه الوساوس، وتبطل كيد الشيطان. انتهى.
وفي مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: إذا غلبت الهواجس على المصلي فما حكم صلاته؟ وما طريق الخلاص منه؟ فأجاب بقوله: الحكم في هذه الحالة أن الإنسان إذا غلب على صلاته الهواجس في أمور الدنيا، أو في أمور الدين، كمن كان طالب علم وصار ينشغل إذا دخل في الصلاة بالتدبر في مسائل العلم، إذا غلب هذا على أكثر الصلاة فإن أكثر أهل العلم يرون أن الصلاة صحيحة، وأنها لا تبطل بهذه الوساوس، لكنها ناقصة جداً فقد ينصرف الإنسان من صلاته، ولم يكتب له إلا نصفها، أو ربعها، أو عشرها أو أقل، أما ذمته فتبرأ بذلك ولو كثر، لكن ينبغي للإنسان أن يكون حاضر القلب في صلاته، لأن ذلك هو الخشوع، والخشوع هو لب الصلاة وروحها، ودواء ذلك أن يفعل الإنسان ما أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعل ذلك أذهبه الله وإذا كان مأموماً في الصف، فإن التفل لا يمكنه، لأن الناس عن يساره، ولكن يقتصر على الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعل ذلك وكرره أذهب الله ذلك عنه. انتهى.
والله أعلم.