السؤال
رجل حلف على زوجته بالطلاق إن دخلت دار أبيه، علما بأنه سبق أن طلقها مرتين وأفتاه بعض أهل العلم أن يتخالعا فتمس؟ التطليقتين ويردها بعقد جديد، وبارك الله فيكم.
رجل حلف على زوجته بالطلاق إن دخلت دار أبيه، علما بأنه سبق أن طلقها مرتين وأفتاه بعض أهل العلم أن يتخالعا فتمس؟ التطليقتين ويردها بعقد جديد، وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخلع يعتبر طلاقا بلا خلاف إذا كان بلفظ الطلاق أو كان مع نية الطلاق، فإن كان بغير لفظ الطلاق ولم ينو به الطلاق فهو محل خلاف بين أهل العلم، والجمهور على أنه طلاق، جاء في الموسوعة الفقهية: لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْخُلْعَ إِذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلاَقِ أَوْ نَوَى بِهِ الطَّلاَقَ فَهُوَ طَلاَقٌ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُقُوعِهِ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلاَقِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ صَرِيحَ الطَّلاَقِ أَوْ كِنَايَتَهُ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفْتَى بِهِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلاَقٌ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَشْهَرِ مَا يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ فَسْخٌ. انتهى.
وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي: وإذا بدأ الزوج بصيغة معاوضة كطلقتك أو خالعتك بكذا وقلنا الخلع طلاق وهو الراجح فهو معاوضة لأخذه عوضا في مقابلة البضع المستحق له. انتهى.
وعلى القول المرجح عن الإمام أحمد من كون الخلع فسخا فإنه لا يعد طلاقا، ولكنه لا يلغي الطلاق المعلق، جاء في المغني: إذا علق طلاق امرأته بصفة, ثم أبانها بخلع أو طلاق, ثم عاد فتزوجها, ووجدت الصفة, طلقت، ومثاله إذا قال: إن كلمت أباك فأنت طالق، ثم أبانها بخلع, ثم تزوجها, فكلمت أباها, فإنها تطلق، نص عليه أحمد. انتهى.
والفتوى التي أشرت إليها في سؤالك هي ما يعرف بالخلع حيلة لإسقاط طلاق أو تعليقه، وقد ذكرها علماء الحنابلة ونبهوا على أن هذا الخلع لا يصح على القول الراجح فى المذهب ـ كما لا تجوز عند غيرهم من أهل العلم ـ جاء في الإنصاف للمرداوي: يحرم الخلع حيلة لإسقاط عين طلاق، ولا يقع على الصحيح من المذهب. انتهى.
وفي مطالب أولي النهى: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ اعْتَقَدَ الرَّجُلُ الْبَيْنُونَةَ بِخُلْعِ الْحِيلَةِ، ثُمَّ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً: أَنْتِ طَالِقٌ، فَبَانَتْ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ، فَتَبِينُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ خَالَعَ حِيلَةً وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا زَوَالَ النِّكَاحِ وَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْخُلْعِ حِيلَةً، فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ، فَبَانَ بِخِلَافِ ظَنِّهِ، فَيَحْنَثُ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ، قَالَ فِي التَّفْتِيحِ: وَغَالِبُ النَّاسِ وَاقِعٌ فِي ذَلِكَ، أَيْ: فِي الْخُلْعِ لِإِسْقَاطِ يَمِينِ الطَّلَاقِ. انتهى.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: فصل: بطلان الحيلة بالخلع لفعل المحلوف عليه، ومن الحيل الباطلة الحيلة على التخلص من الحنث بالخلع, ثم يفعل المحلوف عليه في حال البينونة, ثم يعود إلى النكاح, وهذه الحيلة باطلة شرعا وباطلة على أصول أئمة الأمصار: أما بطلانها شرعا: فإن هذا خلع لم يشرعه الله ولا رسوله, وهو تعالى لم يمكن الزوج من فسخ النكاح متى شاء، فإنه لازم, وإنما مكنه من الطلاق, ولم يجعل له فسخه إلا عند التشاجر والتباغض إذا خافا أن لا يقيما حدود الله, فشرع لهما التخلص بالافتداء، وبذلك جاءت السنة, ولم يقع في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أصحابه قط خلع حيلة ولا في زمن التابعين ولا تابعيهم, ولا نص عليه أحد من الأئمة الأربعة وجعله طريقا للتخلص من الحنث, وهذا من كمال فقههم ـ رضي الله عنهم ـ فإن الخلع إنما جعله الشارع مقتضيا للبينونة ليحصل مقصود المرأة من الافتداء من زوجها, وإنما يكون ذلك مقصودها إذا قصدت أن تفارقه على وجه لا يكون له عليها سبيل, فإذا حصل هذا ثم فعل المحلوف عليه وقع وليست زوجته فلا يحنث, وهذا إنما حصل تبعا للبينونة التابعة لقصدهما, فإذا خالعها ليفعل المحلوف عليه لم يكن قصدهما البينونة، بل حل اليمين, وحل اليمين إنما يحصل تبعا للبينونة لا أنه المقصود بالخلع الذي شرعه الله ورسوله, وأما خلع الحيلة فجاءت البينونة فيه لأجل حل اليمين, وحل اليمين جاء لأجل البينونة، فليس عقد الخلع بمقصود في نفسه للرجل ولا للمرأة, والله تعالى لا يشرع عقدا لا يقصد واحد من المتعاقدين حقيقته, وإنما يقصدان به ضد ما شرعه الله له، فإنه شرع لتخلص المرأة من الزوج, والمتحيل يفعله لبقاء النكاح، فالشارع شرعه لقطع النكاح, والمتحيل يفعله لدوام النكاح. اهـ.
وعند الشافعية أن الخلع يلغي الطلاق المعلق فلو علق طلاق زوجته على دخول دار أبيه فخالعها ثم أعادها بعقد جديد فلا يقع الطلاق إذا دخلت الدار حال بينونتها، وكذلك إذا دخلتها بعد تجديد العقد على القول الأظهر، جاء في نهاية المحتاج: ولو علقه أي الطلاق الصادق بثلاث فأقل بدخول مثلا فبانت قبل الوطء أو بعده بخلع أو فسخ ثم نكحها أي جدد عقدها ثم دخلت لم يقع بذلك طلاق إن دخلت في البينونة بأن اليمين تناولت دخولا واحدا وقد وجد في حالة لا يقع فيها فانحلت, ومن ثم لو علق بكلما طرقها الخلاف الآتي لاقتضائها التكرار وكذا إن لم تدخل فيها، بل بعد تجديد النكاح فلا يقع أيضا في الأظهر، لارتفاع النكاح المعلق فيه. انتهى.
لكن الخلع يعتبر طلاقا بذاته على القول الراجح عند الشافعية ـ كما سبق ـ وبالتالي، فلا يفيد في الحالة المسؤول عنها، بل يعتبر طلقة مكملة للثلاث، فعلم مما سبق أن الرجل المذكور إذا خالع زوجته فإن ذلك لا يحصل له به ما أراده، لأنه إما أن تبين منه به زوجته بينونة كبرى كما هو مذهب جماهير أهل العلم، وإما أن ينفسخ نكاحه ويبقى طلاقه معلقا.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني