الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ...)

السؤال

أريد تفسير قوله تعالى في سورة النساء: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم .....)، خاصة (واضربوهن).
وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فتفسير هذه الآية، وهي قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ...(النساء:34) إلى آخرها كالآتي:

جعل الله -تبارك وتعالى- القوامة للرجال على النساء: والقوامة هي قيام الرجل على المرأة وحمايتها والدفاع عنها ونحو ذلك، وقد منحه الله هذا الحق لسببين:

الأول: وهبي: وقد أشار الله إليه بقوله: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، وهذا التفضيل يكمن في كون الرجل أقوى عقلاً وأبعد نظراً وأحسن تدبيراً، خصوصاً عند مواجهة الملمات والطوارئ، ولذلك جعل الله في الرجال النبوة والخلافة والجهاد والعمل والكسب وغير ذلك.

والثاني: كسبي تكليفي: وهو نفقته على امرأته، وإليه أشار الله بقوله: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، ولذلك لو ترك الرجل النفقة سلب القوامة، وفرق بينه وبين زوجته.

ثم ذكر الله تعالى في هذه الآية الصفة التي يجب أن تكون عليها المرأة المسلمة فقال: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) (النساء: 34)، أي مطيعات لأزواجهن حافظات لأنفسهن وحقوق أزواجهن وأموالهم عند غيابهم عنهن، وهذا الحفظ من المرأة الصالحة بسبب إعانة الله تعالى وتسديده لها على ذلك، وهذا معنى قوله: (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ).

ثم ذكر صفة المرأة الفاسدة فقال سبحانه: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء:34)، والنشوز هو عصيان المرأة لزوجها وترفعها عن طاعته في المعروف، وقد أرشد الله الأزواج في علاج ذلك إلى اتباع خطوات وهي:
1- الوعظ: فقال سبحانه: (فَعِظُوهُنَّ)، والوعظ هو التذكير بالله تعالى والتخويف من عقابه وسخطه لعل الزوجة تتوب إلى الله من عصيانها، وتقوم بحقوق زوجها فإن استمرت على نشوزها انتقل معها إلى المرحلة الثانية وهي:
2- الهجر في المضجع: وهو ألا يضاجعها ولا يجامعها بل يوليها ظهره في الفراش، فإن استمرت على نشوزها انتقل معها إلى المرحلة الثالثة وهي:
3- الضرب غير المبرح وهو الذي لا يكسر عظماً، ولا يشين جارحة، ولا يذهب منفعة كالبصر ونحوه، وضرب الزوجة الناشز من مقتضى القوامة، ولا يحل للزوج ضرب زوجته إلا إذا نشزت، ولذلك قال تعالى: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء:34) وجعله آخر شيء يقوم به الزوج لعلاج نشوز زوجته.

وفي حالة عدم نفعه؛ فإن الأمر يرفع إلى القاضي ينظر في القضية، أو يبعث حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهل الزوجة، لينظرا في القضية ويحكما بالجمع أو التفريق بينهما.

وهذا معنى قوله تعالى في الآية التي جاءت بعد الآية التي شرحناها: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) (النساء:35)، وخص الله تعالى في البعث من هو من أهلهما لأنهما أعلم بهما وأخبر من غيرهما.

وننبه هنا إلى أمرين:
الأول: أن كون الرجل أعقل من المرأة وأقدر على القيام بالأمور، إنما هو على سبيل الإجمال وغالب الأحوال، وإلا فكم من امرأة أقدر من كثير من الرجال، وأوفر عقلاً وأحسن تدبيراً وأشد ذكاء، ولكن أحكام الشرع مبنية على الغالب.

الثاني: أن ما أذن فيه الشرع من ضرب المرأة الناشز أذن فيه بضوابط وفي حدود غاية في الصعوبة، مما يجعل اللجوء إليه أمراً غاية في الندور، يكفي فيه أن نسبة الأزواج الذين يضربون زوجاتهن أكثر بكثير في المجتمعات الغربية منها في المجتمعات الإسلامية، هذا على وفق إحصائيات نشرت من جهات مختلفة.

وليس من العدل بحال من الأحوال أن تحسب أخطاء هؤلاء على الإسلام، وهذا يدل على أن من يحاول أن يشكك في عدالة الإسلام في هذا الباب إنما هو صاحب ساحب قصده سيء يحاول أن يصطاد في المياه العكرة. والله له بالمرصاد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني