الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجوز القول بأن الله قد خلق نفسه

السؤال

هل يجوز أن يقال على الله تعالى أنه خلق نفسه بنفسه وأكمل نفسه بنفسه؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يجوز مثل هذا القول، والعقل يقضي بالضرورة أن الله تعالى لم يخلق نفسه، فقد قال ابن بطال في شرح حديث: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق الله؟ قال: هذا من السؤال الذي لا يحل، وقد جاء هذا الحديث بزيادة فيه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله، فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله، فإن وسوس الشيطان فقال: ما المانع أن يخلق الخالق نفسه، قيل له: هذه وسوسة ينقض بعضها بعضاً، لأن بقولك يخلق قد أوجبت وجوده تعالى وبقولك نفسه قد أوجبت عدمه، والجمع بين كونه موجودًا ومعدومًا معًا تناقض فاسد، لأن من شرط الفاعل تقدم وجوده على وجود فعله، فيستحيل كون نفسه فعلاً له، لاستحالة أن يقال إن النفس تخلق النفس التي هي هو، وهذا بين في حل هذه الشبه وهو صريح الإيمان. اهـ.

وقال ابن النجار في شرح الكوكب المنير في كلامه على المخصص المنفصل: ومن القسم المنفصل: الحس، نحو قوله تعالى: تدمر كل شيء بأمر ربها، وقوله تعالى: يجبى إليه ثمرات كل شيء ـ والمراد بالحسِّ: المشاهدة، ونحن نشاهد أشياء كانت الريح لم تدمرها، ولم تجعلها كالرميم، كالجبال ونحوها، ونعلم أن ما في أقصى المشرق والمغرب لم تجب إليه ثمراته، ومن التخصيص بالمنفصل أيضاً: العقل ضرورياً كان، أو نظرياً، فمثال الضروري: قوله تعالى: الله خالق كل شيء، فإن العقل قاضٍ بالضرورة أنه لم يخلق نفسه تعالى وتقدس. اهـ.

وعلى من استدرجه الشيطان للتفكير في مثل هذا أن يصرف ذهنه ويستعيذ بالله من الشيطان، لما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد شيئاً من ذلك فليقل: آمنت بالله. هذه رواية مسلم.

وفي الصحيحين أنه قال: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا، حتى يقول له من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.

قال النووي في شرحه لهذا الحديث: إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله في دفع شره عنه، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالانشغال بغيرها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني