السؤال
كيف وصل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ للإيمان ولم يكن في عصرهم شيء اسمه الإعجاز العلمي في القرآن؟ نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد تحدى المشركين بأن يأتوا بآية من مثله، أنا لم أفهم ماذا يقصد من مثله؟ يعني هل يقصد أن يؤلفوا آية من رؤوسهم عن أي موضوع وتكون كآية من القرآن في إعجازها البلاغي؟ أم المقصود في المعنى وما تخبر به الآية؟ وهل هنالك آية في القرآن ليس فيها إعجاز؟ فمثلا، أليست كلمة: حم أو: ألم ـ بمفردها آية؟ وأحيانا تجد آية تتكون من كلمتين، فما هو وجه الإعجاز فيها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن القرآن معجز في لفظه ومعناه، أما في لفظه فمن حيث بلاغته وأسلوبه، وأما في معناه فإخباره بما كان وما سيكون وإخباره بحقائق بعض المخلوقات ودقائق تركيبها، وأما المماثلة المقصودة في الآية فهي المماثلة في فصاحة القرآن وعلومه كذا قال ابن جزي في تفسير المسمى التسهيل لعلوم التنزيل: وقال ابن عرفة في تفسيره: فأتوا بسورة من مثله ـ قال الأكثرون مثل نظمه ووصفه وفصاحة معاينه، وقال بعضهم من مثله في غيوبه وصدقه. انتهى.
وقال الألوسي: والمعنى بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة والأسلوب المعجز. انتهى.
وأما حم وألم فقد بين الشيخ الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله تعالى ـ في الأضواء وجه الإعجاز بها فقال: أما القول الذي يدل استقراء القرآن على رجحانه فهو أن الحروف المقطعة ذكرت أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وحكى هذا القول الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء وقطرب ونصره الزمخشري في الكشاف، قال ابن كثير: وإليه ذهب الشيخ الإمام أبو العباس بن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية، ووجه شهادة استقراء القرآن لهذا القول أن السور التي افتتحت بالحروف المقطعة يذكر فيها دائما عقب الحروف المقطعة الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وأنه الحق الذي لا شك فيه وذكر ذلك بعدها دائما دليل استقرائي على أن الحروف المقطعة قصد بها إظهار إعجاز القرآن وأنه حق قال تعالى في البقرة: الم ـ وأتبع ذلك بقوله: ذلك الكتاب لا ريب فيه ـ وقال في آل عمران: الم ـ وأتبع ذلك بقوله: الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق الآية: آل عمران 2،3ـ وقال في الأعراف المص ثم قال كتاب أنزل { الأعراف: 2} وقال في سورة يونس: تلك آيات الكتاب الحكيم. انتهى.
وأما عن أقل ما يكون به الإعجاز فقد قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن: وقال القاضي: يتعلق الإعجاز بسورة طويلة كانت، أو قصيرة تشبثا بظاهر قوله: بسورة ـ وقال في موضع آخر يتعلق بسورة، أو قدرها من الكلام بحيث يتبين فيه تفاضل قوى البلاغة قال فإذا كانت آية بقدر حروف سورة وإن كانت كسورة الكوثر فذلك معجز، قال ولم يقم دليل على عجزهم عن المعارضة في أقل من هذا القدر، وقال قوم لا يحصل الإعجاز بآية، بل يشترط الآيات الكثيرة، وقال آخرون يتعلق بقليل القرآن وكثيره، لقوله: فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ـ قال القاضي: ولا دلالة في الآية، لأن الحديث التام لا تتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة. انتهى.