السؤال
أنا من تونس وأريد السؤال عن شأن عام، بعد ما منّ الله به علينا من ثورة وتحرر تمكنا من فتح بيوت للصلاة في معاهدنا، ولكن ظهرت لنا مشكلة جديدة وهي إصرار التلاميذ للخروج وقت الدرس للصلاة، مع العلم أننا في تونس ندرس من الساعة 8 صباحا إلى منتصف النهار، ومن الساعة 14 إلى الساعة 17، كما يصر التلاميذ على إقامة دروس دينية في أوقات الدرس بدون إذن من أهل الاختصاص مع ما يمكن أن يجره ذلك من تجاوزات، فما رأيكم في المسألتين؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن حيث المبدأ ينبغي أن يشكر هؤلاء التلاميذ على حرصهم على طاعة الله تعالى وتعلم وتعليم أمور دينهم وأن يشجعوا على ذلك، وفي الوقت نفسه لا بد من ترشيد هذا التوجه بحيث تنتظم الأمور في نصابها الشرعي فنجمع بين هذا الخير الذي يحرص عليه التلاميذ وعدم تضييع مصلحة يمكن تحصيلها، ومن الخير الكثير أنكم استطعتم توفير مكان للصلاة داخل المعهد، وبإمكانكم تحديد موعد لصلاتي الظهر والعصر لا يتعارض مع الحصص الدراسية، بحيث يصليها المدرسون والتلاميذ جماعة في وقتها، فإن في وقت الصلاتين - بحمد الله - متسع: فقد أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئاً، وأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول: قد طلعت الشمس، أو كادت، ثم أخر الظهر حتى كان قريباً من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول: قد احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل فقال: الوقت بين هذين. رواه مسلم.
وهذا من سماحة الشريعة ويسرها، فمتى حصلت الصلاة في وقتها فلا حرج عليكم، فلكم أن تقدموها في أول وقتها، أو تؤخروها إلى آخر وقتها بحسب نظام الدراسة، ثم تصلون جماعة، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 34086، 55899، 122188.
وكذلك الحال في مسألة الدروس الدينية، يمكن أن يخصص لها وقت لا يتعارض مع الدراسة النظامية، فتكون قبل الحصص، أو بعدها، أو في أثناء وقت الراحة، المهم أن يحصل الجمع بين المصلحتين، وأما مسألة تولي أهل الاختصاص لهذه الدروس: فإن أريد به أن لا يقوم بها إلا أناس معينون فهذا غير لازم، بل من كان مؤهلاً لذلك ولا يتكلم في ما لا يحسن فلا بأس بمشاركته، والأولى بلا شك أن يقدم الأعلم فالأعلم، خاصة إذا ظهر منه الصلاح والاستقامة، بحيث يكون قدوة لأصحابه في الخير، وإن أريد بالتأطير: وضع إطار زمني لهذه الدروس تراعى فيه المصلحة فلا حرج في ذلك، بل هو مطلوب، وينبغي للقائمين على هذا المعهد أن يتقوا الله تعالى ويبذلوا جهدهم للقيام بهذا الدور العظيم، وأن يسعوا دائماً للجمع بين المصالح، أو تحصيل أعلاها، ولدرء كل المفاسد، أو تفويت أخطرها، وأن يعلموا أن تمسك الطلاب بدينهم هو أهم عوامل الفلاح ليس في الآخرة فحسب بل في الدنيا كذلك، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم ويجعلكم من الراشدين في كل أموركم.
والله أعلم.