الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن كل ما يحدث في هذا الكون لا يكون إلا بقضاء الله تعالى وقدره، كما قال سبحانه: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11}.
وهذه آية عظيمة تقرر أصلا من أصول السعادة والسكينة والطمأنينة، وتوضح مَعْلَمَاً من معالم صلاح الحال والبال، قال ابن كثير: أي: من أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه، ويقينا صادقا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرا منه. اهـ.
وقال السعدي: هذا عام لجميع المصائب، في النفس والمال والولد والأحباب ونحوهم، فجميع ما أصاب العباد فبقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علم الله تعالى وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته والشأن كل الشأن، هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه في هذا المقام، أم لا يقوم بها؟ فإن قام بها فله الثواب الجزيل والأجر الجميل في الدنيا والآخرة، فإذا آمن أنها من عند الله، فرضي بذلك وسلم لأمره، هدى الله قلبه فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب، كما يجري لمن لم يهد الله قلبه، بل يرزقه الثبات عند ورودها والقيام بموجب الصبر، فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدخر الله له يوم الجزاء من الثواب، كما قال تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ـ وعلم من هذا أن من لم يؤمن بالله عند ورود المصائب بأن لم يلحظ قضاء الله وقدره، بل وقف مع مجرد الأسباب أنه يخذل ويكله الله إلى نفسه، وإذا وكل العبد إلى نفسه، فالنفس ليس عندها إلا الجزع والهلع الذي هو عقوبة عاجلة على العبد قبل عقوبة الآخرة على ما فرط في واجب الصبر. اهـ.
وقال البغوي: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ـ بإرادته وقضائه: ومن يؤمن بالله ـ فيصدق أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله: يهد قلبه ـ يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم لقضائه. اهـ.
فعليك ـ أختي الكريمة ـ أن تتيقني أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن الحيطة والحذر لا يدفعان القضاء ولا يردان القدر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم وصححه، حسنه الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: لن ينفع حذر من قدر ـ أي لا يجدي، إذ لا مفر من قضائه تعالى، فهو واقع على كل حال، والَحَذر: الاستعداد والتأهب للشيء، والقَدَر القضاء الذي يقدره الله تعالى. اهـ.
فانظري كيف جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقرير عقيدة القضاء والقدر، مع التنبيه على حقيقة نفع الدعاء مما نزل ومما لم ينزل، فالخير كله بيد الله، فلا يأتي بالخير إلا هو، ولا يدفع الضر إلا هو، وأقرب الطرق لتحصيل ذلك هو التعرض لرحمة الله وفضله بسؤاله والإلحاح في دعائه، قال تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {يونس: 107}.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء. رواه الترمذي وحسنه، وحسنه الألباني. وراجعي لمعرفة فائدة الدعاء إذا وقع القدر الفتوى رقم: 147471.
وأما ما يمكن أن تدعي به: فما تيسر لك من الكلم الطيب، وأفضله الأدعية النبوية، كقول: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ـ وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 74165.
ولكن عليك أن تتعرفي على شروط إجابة الدعاء وما ينبغي التأدب به عنده، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 11571، 63158، 8331.
وراجعي في ما يتعلق بصلاة الحاجة الفتوى رقم: 3749.
وفي ما يتعلق بالقنوت الفتوى رقم: 3394.
والله أعلم.