السؤال
ما حكم المفتين الذين يلقبون أحدا بأمير المؤمنين وهو ليس أهلا لها ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكل من توفرت فيه شروط صحة الإمامة العظمى التي سبق ذكرها في الفتوى رقم: 8696 وتولى حكم المسلمين أو طائفة منهم ـ فهو أميرهم، فيصح تلقيبه بأمير المؤمنين أو طائفة منهم. فالسلطة المعتبرة شرعا هي السلطة التي تقوم في الأساس على إقامة الدين وعقد الإسلام وسيادة الشريعة والانقياد لكتاب الله تعالى في الجملة، وإن صاحب ذلك ظلم أو معاصٍ أو مخالفات جزئية، وهذا يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين. رواه البخاري.
وقوله صلى الله عليه وسلم: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قالوا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة. رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. رواه مسلم.
قال النووي: قال العلماء: معناه ما داموا متمسكين بالإسلام والدعاء إلى كتاب الله تعالى. اهـ.
وأما من لم تتوفر فيه هذه الشروط، وغلب على المسلمين بالقهر، ولم يقم فيهم بخلافة النبوة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به، بل بدَّل وغيَّر وصدَّ عن سبيل الله، وحارب الإسلام وأهله، واستبد وتجبر كالعبيدين الملقبين زورا بالفاطميين، وكالقرامطة ومن سار على منهج هؤلاء تكبرا وتسلطا ونشرا للفساد وغضا للطرف عنه. فهو وإن كان أميرا أو حاكما، إلا أنه ليس للمؤمنين بأمير تجب عليهم طاعته وبيعته، ووصف أمثال هؤلاء الطواغيت بإمارة المؤمنين منكر من القول وزور.
وقد قال الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ* ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32،31،30} ومن قام في نصرتهم وإعانتهم بقول أو فعل وهم على هذه الحال فعليه وزره.
وقد عقد الذهبي في كتاب (الكبائر) بعد ذكر كبيرة الظلم فصلا في الحذر من الدخول على الظلمة ومخالطتهم ومعونتهم، قال فيه: قال الله تعالى: { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } والركون ههنا السكون إلى الشيء والميل إليه بالمحبة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تميلوا كل الميل في المحبة ولين الكلام والمودة. وقال السدي وابن زيد: لا تداهنوا الظلمة. وقال عكرمة: هو أن يطيعهم ويودهم. وقال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم { فتمسكم النار } فيصيبكم لفحها { وما لكم من دون الله من أولياء }. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما لكم من مانع يمنعكم من عذاب الله { ثم لا تنصرون } لا تمنعون من عذابه. وقال الله تعالى: { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } أي أشباههم وأمثالهم وأتباعهم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيكون أمراء يغشاهم غواش من الناس يظلمون ويكذبون فمن دخل عليهم وصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه. وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم: من أعان ظالما سلط عليه. وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة. وقال مكحول الدمشقي: ينادي مناد يوم القيامة: أين الظلمة وأعوانهم؟ فما يبقى أحد مد لهم حبرا أو حبر لهم دواة أو برى لهم قلما فما فوق ذلك إلا حضر معهم، فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم. وجاء رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال: إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظلمة؟ فقال سفيان: بل أنت من الظلمة أنفسهم، ولكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط .. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني