السؤال
في قصة الإفك وخلال الشهر الأول لهذه الفتنة العظيمة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل بعض الصحابة ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ عن ما يعرفونه عن أمنا عائشة، وبعد مرور شهر تقريبا من ظهور الإفك العظيم جلس ـ ولأول مرة ـ إلى أمنا عائشة ليسألها عن هذا الأمر، فما حكم من وصف حالة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبرئ أمنا عائشة، بل انتظر الوحي لينزل ببراءتها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فابتداء ننبه على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر من جملة البشر يعتريه ما يعتريهم من مشاعر وانفعالات بشرية من نحو الحزن والفرح والتأثر والضيق والهم وغير ذلك، قال الله تعالى: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا {الإسراء: 93}.
وقال: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ {الكهف: 110}.
ولا شك أنه قد نزل بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك بلاء شديد أصابه في نفسه وعرضه ودعوته, وصاحب ذلك تأخر نزول الوحي عليه ـ لحكمة يعلمها الله ـ ومع كل هذا الضيق والبلاء فإن المنافقين لا يكفون ألسنتهم، بل يروجون الإفك فيما بينهم ويشيعونه وسط المسلمين بالمدينة حتى انزلق بعض الصحابة إلى هذا المنزلق وردد ما يردده المنافقون, وقالوا بألسنتهم ما ليس لهم به علم، كما حكى الله سبحانه ذلك من قوله: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ {النور: 15}.
أما قول القائل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرئ أمنا عائشة, فهذا ينظر فيه، فإن كان قائله يقصد أنه اتهمها فهذا خطأ ظاهر، بل إنه كان يذكر أمام المسلمين أنه لم ير منها إلا الخير ولا يظن بها إلا الخير، فقد جاء في الحديث المتفق عليه: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي, والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا, وما يدخل على أهلي إلا معي.
ولما أتاها في بيت أبويها قال لها: إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله.
فمن تأمل قوله صلى الله عليه وسلم: إن كنت ـ يعلم أنه لم يتهمها وإنما يتكلم عن حالة افتراضية, بل إنه يلمح في حديثه بأن الأصل فيها البراءة والنزاهة وهذا ما يفهم من تعبيره بلفظ اللمم, جاء في شرح النووي على مسلم: معناه إن كنت فعلت ذنبا وليس ذلك لك بعادة, وهذا أصل اللمم. انتهى.
والخلاصة أن قائل هذا الكلام إن قصد أن رسول الله لم يصرح ببراءة عائشة قطعا إلا بعد نزول الوحي فهذا حق وصدق، لأنه لم يكن لديه علم قطعي يستند إليه في ذلك، أما إن كان يقصد أنه اتهمها فهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب عليه أن يتوب إلى الله منه.
والله أعلم.