الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأخر الشفاء لا يبرر اللجوء إلى الحرام

السؤال

بيتنا معمول فيه سحر سفلي، وكل الشيوخ قالوا هذا، وعندنا أمراض دائمة، وتوقف حالنا في كل شيء، مع عدم إنجاب أختي المتزوجة، وشجار مستمر بيننا في البيت، وتعب وسرقات مستمرة، مما يعني أن حياتنا خسائر ومرض، ولا يوجد أي شيخ قادر على علاجنا، وهذا منذ 14 سنة، وهناك شيخ يعالج مثل هذه الأسحار بالبخور فهل هذا حرام؟ وحالي متوقف في الزواج والمرض، فماذا نعمل؟ وهذا هو الحل الأخير، فمنذ 14 سنة أموت موتا ببطء، وهذا الشيخ يعالج بالبخور ويعرف أخباري وحده، ونحن لا نذهب إليه من أجل أن نؤذي أحدا، وإنما لنرفع الأذى عنا، وقد جربنا كل العلاجات التي بالقرآن والمسك ولم تفدنا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله لنا ولكم العافية والسلامة من شر كل ذي شر، ونفيدكم أن السحر حق ويشرع التحصن منه بالمواظبة على الأذكار والتعوذات المأثورة، ولا حرج عليكم في الرقية الشرعية، فإنها تشرع لمن تؤكد من إصابته، وتشرع لمن يشك في إصابته، بل وتشرع لمن لم يصب، وذلك لدفع المكروه قبل وقوعه، وننصحكم بالبعد عن المشعوذين والدجالين، وأن ترقوا أنفسكم بأنفسكم، أو أن تبحثوا عن راق يعرف الرقية الشرعية ولا يستعمل غيرها.

وأما العلاج بالبخور فهو من عادات المشعوذين والسحرة، ولا يجوز الذهاب إليهم ولا تصديقهم، وقد وردت أحاديث تنهى عن ذلك.

منها قوله صلى الله عليه وسلم: من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد. رواه أحمد وأصحاب السنن. وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا وسأله عن شيء لم يقبل له صلاة أربعين ليلة.

وأما كون بعض العلاجات السابقة لم تنفعكم فلا يبرر الحرام، فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء، وقد شرع العلاج المباح وحرم العلاجات المحرمة، ويدل لهذا عموم الحديث: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بالحرام. رواه أبو داود. وفي حديث البخاري: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها.

واللجوء للسحرة من المحرمات، فعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: هي من عمل الشيطان. رواه أحمد بإسناد جيد.

قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله تعالى: النشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان:

أحدهما: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن البصري: لا يحل السحر إلا ساحر، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.

الثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدعية والدعوات المباحة فهذا جائز. انتهى.

ونوصيكم بقراءة سورة البقرة كل ثلاث ليال في البيت، وأن تواظبوا كل ليلة على قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين في البيت، وقراءة آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، وعلى الأدعية الجوامع المأثورة إضافة إلى الالتزام بالفرائض والطاعات، وتطهير البيت من سائر أنواع المعاصي، فإنها تجلب الشياطين وتنفر الملائكة، فيرتفع عن البيت وأهله حفظ الله وعنايته، ويصبح من فيه عرضة للشياطين، وعليكم باللجوء إلى من بيده الضر والنفع وهو الله جل جلاله، فهو وحده القادر على كشف ما بكم من ضر إذا صدقتم في اللجوء إليه، ولهجتم بذكره واعتصمتم بحبله، قال الله عز وجل: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ{ النمل: 62 }.

وفي مسند أحمد وسنن الترمذي والمستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ـ فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له. والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.

وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أتدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. رواه النسائي والإمام أحمد.

وفي سنن الترمذي من حديث أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب: الله ربي لا أشرك به شيئاً.

وروى أحمد وغيره عن ابن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.

وفي الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.

وواظبوا على صلاة أربع ركعات أول النهار، ففي الحديث القدسي: يا ابن آدم، صل أربع ركعات أول النهار أكفك آخره. رواه أحمد وابن حبان والطبراني، وقال المنذري والهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح.

واحرصوا على أذكار الصباح والمساء، ومن ذلك تكرار: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. سبع مرات عند المساء والصباح، ففي الحديث: من قال حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. رواه ابن السني وصححه الأرناؤوط.

وعليكم بالإكثار من شراب زمزم مع قراءة فاتحة الكتاب عليه، فإن فيهما نفعا عظيما مجربا، كما ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد، فقد قال في كلامه على الفاتحة: ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها، آخذ شربة من ماء زمزم، وأقرؤها عليها مرارا، ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع.

وعليكم بالإكثار من الصدقات على المحتاجين لعل دعوات صالحة منهم تفيدك ـ بإذن الله ـ وقد ذكر البيهقي في شعب الإيمان: أن عبد الله بن المبارك ـ رحمه الله ـ سأله رجل يا أبا عبد الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين وقد عالجت بأنواع العلاج وسألت الأطباء فلم أنتفع به، فقال: اذهب فانظر موضعا يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئرا، فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرئ.

قال البيهقي: وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله - رحمه الله - فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب وبقي فيه قريبا من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا له وأكثر الناس التأمين، فلما كان من الجمعة الأخرى ألقت امرأة رقعة في المجلس بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: قولوا لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين، فجئت بالرقعة إلى الحاكم أبي عبد الله فأمر بسقاية الماء فيها وطرح الجمد في الماء، وأخذ الناس في الماء فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان وعاش بعد ذلك سنين.اهـ.

وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 68662، 105449، 17576، 4310، 502، 19134، 32981.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني