السؤال
ما معنى: من صلى الفجر فهو في ذمة الله ؟ وما معنى الزكاة للمال ؟ أليست النماء والطهارة ؟ وما تفسيركم لما حصل معي حيث إني تعرضت للسرقة بمبلغ كبير في يوم كنت قد صليت الفجر فيه في المسجد علما أنني أزكي مالي كل سنة ؟ هل هذه عقوبة أم امتحان من الله عز وجل وكيف لي أن أعرف حتى أرتاح ؟ فالله عز وجل يقول "ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" ولكن في نفس الوقت الأنبياء أكثر الناس بلاء وهم أنبياء .
أحيانا أقول لنفسي ربما الراتب الذي أتقاضاه في عملي أكبر من الجهد الذي أبذله حيث إني أتأخر عن الدوام أحيانا، وكذلك فإني أستخدم الحاسوب والطابعة الخاصة بالعمل في أمور شخصية ؟ وللعلم أنا أدعو الله دائما أن يطهر مالي من الحرام. فهل من المكن أن يكون الله قد استجاب لي وسرق مني ذلك المبلغ ؟
أنا آسف على الإطالة لكن أريد أن أرتاح علما أنني لست متأثرا على النقود بقدر تأثري على أن يكون ذلك عقابا وأن الله غضبان علي ، وهل إذا كان في مالي شيء من حرام وأنا لا أعرف يخرج بمجرد إخراجي للزكاة ؟ وهل صحيح ما يقوله الناس لي بأن المال الحلال لا يضيع ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحديث: من صلى الصبح فهو في ذمة الله. حديث صحيح ثابت، وقد رواه مسلم وغيره، ومعناه النهي عن التعرض لمن صلى الصبح بأذى وأن من فعل ذلك فهو متعرض لعقوبة الله، وليس معناه كما توهمت أنه لا يصيبه في هذا اليوم مكروه.
قال القرطبي في المفهم: وقوله : (( من صلّى الصبح فهو في ذمّة الله )) ؛ أي : في أمان الله ، وفي جواره ؛ أي : قد استجار بالله تعالى ، والله تعالى قد أجاره ، فلا ينبغي لأحد أن يتعرض له بضر أو أذى ، فمن فعل ذلك فالله تعالى يطلبه بحقه ، ومن يطلبه لم يجد مفرًّا ولا ملجأ . وهذا وعيد شديد لمن يتعرض للمصلين ، وترغيب حضور صلاة الصبح. انتهى.
والزكاة هي النماء والزيادة، وتطلق على زكاة المال لأنها تنميه وتبارك فيما بقي منه ويزكو أجرها ويعظم عند الله ويزكو بها الفقراء.
قال في حاشية الروض: وقال ابن قتيبة: الزكاة من الزكاء والنماء، سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه، يقال: زكا الزرع إذا كثر ريعه. وزكت النفقة، إذا بورك فيها. وأصل التسمية قوله: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } فسميت زكاة لأنها تزكي المال، أي تنميه من حيث لا يرى بالخلق أو تنمي أجرها. وقال الأزهري: تزكي الفقراء، أي تنميهم.
وقال الشيخ: لفظ الزكاة في اللغة يدل على النمو. والزرع يقال فيه: زكا إذا نما. اهـ. فسميت شرعًا زكاة للمعنى اللغوي. انتهى.
ولا يلزم من هذا ألا يصاب من أخرج زكاة ماله بضياع شيء من ماله لحكمة اقتضت ذلك، أما وقد حصل ما حصل فالواجب عليك أن تصبر على ما أصابك من الضر فإن ثواب الصبر عظيم قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}
ولعل في صبرك على ضياع هذا المال من المثوبة ما هو أنفع لك وأجدى عليك من بقاء هذا المال بيدك، وكون هذا المصاب بلاء أو عقوبة يرجع في معرفته إلى حال الشخص، فإن كان قد بلغ من الاجتهاد في الطاعة والتنزه عن المعاصي رتبة علية فما يصيبه بلاء من الله تعالى ترفع به درجته ويعظم به أجره.
وإن كان من المتلبسين بالمعاصي فليعلم أن ما أصابه من المصيبة إنما هو بسبب ذنوبه وما يعفو الله عنه أكثر، قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. {الروم41} وانظر الفتوى رقم: 27585، ورقم: 57255.
وما دمت تعلم أن لك ذنوبا أنت متلبس بها فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى منها، ونرجو أن يكون ما أصابك من الكفارة لتلك الذنوب، ولكن ما دام هذا الذنب متعلقا بحق آدمي وهو الجهة التي تعمل لديها فالواجب عليك أن تستحل المسؤولين عن هذا العمل عما حصل منك من تفريط، وإن كان عليك بعض الحقوق المالية بسبب تأخرك أو نحو ذلك فلا بد من دفعها لتبرأ ذمتك، ولا يقوم ضياع هذا المال مقام ما عليك من حق لآدمي، فإنه لا بد من أداء الحق إلى مستحقه وذلك شرط من شروط صحة التوبة، وأما ما سمعته من أن المال الحلال لا يضيع فكلام لا أصل له، فإن المصيبة في المال مما يتعرض له الصالح والطالح، وقد روى أبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنه سرقت ملحفة لها فجعلت تدعو على مَنْ سَرَقَهَا فَجَعَلَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تُسَبِّخِى عَنْهُ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ : لاَ تُسَبِّخِى أَىْ لاَ تُخَفِّفِى عَنْهُ.
والله أعلم.