السؤال
يا شيخ ما حال الذين ظلموا أنفسهم، يريدون توبة، ولا يجدون أين يذهبون، وهم مهددون بالقتلفي بلدهم؟
يا شيخ ما حال الذين ظلموا أنفسهم، يريدون توبة، ولا يجدون أين يذهبون، وهم مهددون بالقتلفي بلدهم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن فضل الله تعالى أن باب التوبة مفتوح لا يغلق على أي إنسان مهما كان حاله ما لم يغرغر ويعاين الموت، وذلك حتى تطلع الشمس من مغربها، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}.
فنقول للسائل كما قال العبد الصالح العالم الرباني حينما سأله قاتل المائة نفس: هل له من توبة؟ فقال له: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء .. الحديث. رواه مسلم.
وأما ما ذكره السائل عن حاله في آخر سؤاله، فجوابه هو قوله تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ *{العنكبوت:56، 57}
وقوله سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر: 10}
قال السعدي: { وأرض الله واسعة } إذا منعتم من عبادته في أرض، فهاجروا إلى غيرها، تعبدون فيها ربكم، وتتمكنون من إقامة دينكم. ولما قال: { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع، وهو أن النص عام: أنه كل من أحسن فله في الدنيا حسنة، فما بال من آمن في أرض يضطهد فيها ويمتهن، لا يحصل له ذلك ـ دفع هذا الظن بقوله: { وأرض الله واسعة } وهنا بشارة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك". تشير إليه هذه الآية، وترمي إليه من قريب، وهو أنه تعالى أخبر أن أرضه واسعة، فمهما منعتم من عبادته في موضع فهاجروا إلى غيرها، وهذا عام في كل زمان ومكان، فلا بد أن يكون لكل مهاجر ملجأ من المسلمين يلجأ إليه، وموضع يتمكن من إقامة دينه فيه. اهـ.
ثم نذكر السائل بما وقع في صلح الحديبية، حيث اشترط أهل مكة على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا: يا رسول الله أنكتب هذا؟ قال: نعم؛ إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا. رواه مسلم.
ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2، 3}.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني