السؤال
تزوجت من فتاة واشترط أهلها أن يكون متأخر العقد 3 كيلوات من الذهب، وتم العقد واتفقت أنا وزوجتي أن نغير العقد بموافقتها. سافرنا إلى أوربا واستقررنا هناك، وسمعت من شخص أن المتأخر يبقى بذمة الرجل عند أقرب الأجلين أي الطلاق والموت، فهل إذا مات الرجل يبقى بذمته المتأخر، وبسبب هذا حلفت لزوجتي إذا عدنا لبلدنا يتغير المتأخر، وإن لم يتغير فإنك محرمة علي .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا خلاف في أن مؤخر الصداق يعد ديناً في ذمة الزوج يؤديه إلى زوجته عند حلول الأجل المتفق عليه، فإن لم يتفقا على أجل معين فإنه يحل بأقرب الأجلين الطلاق أو الموت، ولا يجوز للزوج أن يُكره زوجته على التنازل عنه، ولا أن يهددها على ذلك بطلاق ونحوه؛ لأنها إن تنازلت عنه تحت ضغط الخوف من الطلاق ونحوه فلا يطيب للزوج أخذه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه أبو داود وصححه الألباني.
ولكن يجوز له أن يطلب منها التنازل عن المؤخر أو بعضه دون إكراه ولا تهديد، فإن وافقت على ذلك بطيب نفس فقد برئ منه الزوج إذا كانت بالغة عاقلة رشيدة. قال ابن قدامة في المغني: وإذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه، أو وهبته له بعد قبضه، وهي جائزة الأمر في مالها جاز ذلك وصح. ولا نعلم فيه خلافا؛ لقول الله تعالى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ {البقرة: 237}. يعني الزوجات. وقال تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا {النساء: 4}. انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره: واتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها. انتهى.
لكن ذهب بعض أهل العلم إلى أن الزوج إذا سأل زوجته التنازل عن المهر فتنازلت عنه فإنه يجوز لها أن ترجع في ذلك وتطالبه به؛ لأن مطالبته لها بذلك أوجدت شبهة خوف عندها من الإضرار بها إن هي رفضت. أما إذا تنازلت هي عنه من تلقاء نفسها دون طلب منه هو فلا يجوز لها الرجوع. جاء في المغني لابن قدامة: وعن أحمد رواية أخرى ثالثة نقلها أبو طالب: إذا وهبت له مهرها فإن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه أو إضرار بها بأن يتزوج عليها، وإن لم يكن سألها وتبرعت به فهو جائز، فظاهر هذه الرواية أنه متى كانت مع الهبة قرينة من مسألته لها أو غضبه عليها أو ما يدل على خوفها منه فلها الرجوع لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب بها نفسها وإنما أباحه الله تعالى عند طيب نفسها بقوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا {النساء: 4} انتهى.
من هنا يعلم أن تحريمك لامرأتك إن هي لم تتنازل عن مؤخر الصداق لا يجوز، وأنها لو تنازلت عنه تحت ضغط هذا الإكراه فإنه لن يكون لك حلالا.
واعلم أيها السائل أنك أنت الذي أوقعت نفسك في هذه الورطة بموافقتك بمحض إرادتك على مؤخر صداق باهظ كهذا. وعلى ذلك فإن تنازلت زوجتك عن هذا المؤخر فقد انحلت اليمين بذلك، فإن غلب على ظنك أن تنازلها قد حصل عن طيب نفس منها فقد حل لك أخذه لقوله سبحانه: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا {النساء: 4}.
أما إذا كان تنازلها بسبب التهديد فلا يحل لك أخذه بحال ويجب عليك أن تؤديه لها.
أما إذا لم تتنازل عنه أصلا فقد وقع الحنث. وقد سبق أن بينا أن قول الرجل لامرأته إن لم تفعلي كذا فأنت محرمة يرجع فيه لنيته، فإن قصد بذلك الطلاق فهو طلاق، أو قصد الظهار فهو ظهار، أو قصد اليمين فهو يمين. ويراجع ذلك في الفتوى رقم: 30708.
والله أعلم.