السؤال
ما هو حكم ارتكاب ذنب لايستطيع الانسان تركه مع اعترافه بأنه حرام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليعلم أولا أن التوبة من جميع الذنوب واجبة على كل مكلف، وأنه لا يجوز لمسلم أن يصر على شيء من معصية الله تعالى.
قال النووي رحمه الله: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّوْبَة مِنْ جَمِيع الْمَعَاصِي وَاجِبَة , وَأَنَّهَا وَاجِبَة عَلَى الْفَوْر , لَا يَجُوز تَأْخِيرهَا , سَوَاء كَانَتْ الْمَعْصِيَة صَغِيرَة أَوْ كَبِيرَة . وَالتَّوْبَة مِنْ مُهِمَّات الْإِسْلَام وَقَوَاعِده الْمُتَأَكِّدَة . انتهى.
وقد أمر الله عباده بالتوبة النصوح فقال: "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا"
قال ابن كثير: أي: توبة صادقة جازمة، تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتجمعه، وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات: ثم ساق عن ابن جرير بإسناده إلى النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } قال: يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه. انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله: النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء :
الأول : تعميم جميع الذنوب بحيث لا تدع ذنبا إلا تناولته .
والثاني : إجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار ، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادرا بها .
الثالث : تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها، ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده، لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته، ولحفظ حاله أو لحفظ قوته وماله أو استدعاء حمد الناس أو الهرب من ذمهم أو لئلا يتسلط عليه السفهاء أو لقضاء نهمته من الدنيا، أو لإفلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز و جل. انتهى.
وليس ثمة من الذنوب ما لا تستطاع التوبة منه، غير أن غلبة الهوى واستيلاء الشهوة وتسلط النفس الأمارة بالسوء كل ذلك يصور للمرء أنه لا يستطيع التوبة، ولو أنه صدق في التوكل على الله ومجاهدة نفسه لأعانه الله ووفقه للتوبة، ولكن من أصر من المسلمين على ذنب وهو يعتقد حرمته فإنه من أهل الإسلام وله ما للمسلمين من الحقوق، وقد اتفق أهل السنة على أن أهل الذنوب لا يكفرون وإن أصروا عليها.
قال أبو جعفر الطحاوي في معتقده: ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله.
والنصوص الدالة على ذلك كتابا وسنة وآثارا عن السلف الكرام أكثر من أن تذكر، فهذا المذنب المصر تحت مشيئة الله تبارك وتعالى يوم القيامة إن شاء عذبه بذنبه ثم مآله إلى الجنة وإن شاء غفر له.
قال الحافظ في الفتح : قال ابن بطال في هذا الحديث إن المصر على المعصية في مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له مغلبا الحسنة التي جاء بها وهي اعتقاده أن له ربا خالقا يعذبه ويغفر له واستغفاره إياه على ذلك يدل عليه قوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. ولا حسنة أعظم من التوحيد. انتهى.
وليعلم أن الله تعالى قد امتدح عباده المستوجبين للجنة التي عرضها السماوات والأرض بأنهم لا يصرون على ما يرتكبونه من الذنوب فقال تعالى: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين".
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني